رأي القدس العربي
صعد الموضوع السوريّ مجددا في الأيام الأخيرة وتمايزت فيه قضيتان لافتتان: الأولى هي إعلان منظمة حظر الأسلحة الكيميائية عن مسؤولية نظام بشار الأسد عن تنفيذ هجمات كيميائية محظورة جرت عام 2017، والثانية هي كشف موقع أخبار بريطاني عن قيام ولي عهد الإمارات محمد بن زايد بمحاولة لتمويل هجوم لقوات النظام السوري لاحتلال المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في إدلب ومنع اتفاق لوقف إطلاق النار بين روسيا وتركيا، الأمر الذي فسّر أيضاً معنى الاتصال الأخير لبن زايد ببشار الأسد تحت غطاء «التضامن الإنساني» ضد وباء كوفيد 19.
يعيد إعلان منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التذكير بالطبيعة الإبادية لنظام الأسد التي وضعته على رأس قائمة الأنظمة الوحشية في العالم، فرغم الطبيعة الاستبدادية التي تميّز أغلب الأنظمة العربية فإن نظام الأسد كان الوحيد الذي استخدم السلاح الكيميائي للإبادة الجماعية، إضافة إلى «ابتكارات» أخرى، كاستخدام البراميل المتفجرة والأسلحة المحرّمة دوليا، وصولا إلى تحقيق «تجانس» سياسي (على حد تعبير رئيس النظام) تم التعبير عنه بتجريف مدن وتهجير ملايين السوريين، بحيث أصبحت إدلب مركز «تجميع» هائل، وكان اجتياحها هو بمثابة «الحل النهائي» للمسألة السورية، عبر استهداف من بقي فيها ودفعهم عبر قصف المشافي والمدارس والأسواق إلى مغادرة بلادهم باتجاه الحدود التركيّة.
أما القضيّة الأخرى فتكشف عن وجود «معجبين» بسياسات حفّار القبور الكيميائي و«زبائن» لها ضمن المنظومة العربيّة، وبأن أنظمة عربية عديدة لا توافق على أساليب النظام في التعامل مع شعبه فحسب بل تعتبرها الأسلوب «الأمثل» في التعامل مع تلك الشعوب، وهذا ما يكسب الرواية التي ذكرت عن الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير مصداقية، حيث تردد عنه قوله إنه «يجوز شرعا» قتل ثلث سكان البلد لإنقاذ النظام، وهو أمر فيه من العبرة والمفارقات الكثيرة ما فيه، فخصوم البشير يعيّرونه بأنه كان «إسلاميّا»، وهؤلاء هم أنفسهم الذين ركبت الإمارات موجتهم، ودعمت عمليتهم العسكرية لفض اعتصام الثائرين، وها هي تقوم باستكمال التطبيع مع النظام السوري ودعمه ماليّا، وهو ما يعني أن «المجازر» و«فض الاعتصامات» وإنهاء الحراكات الديمقراطية، هي «القاسم المشترك الأعظم» الذي تؤيده الإمارات، بغض النظر عن أيديولوجية الحكام.
يوضح قيام النظام المصريّ برئاسة عبد الفتاح السيسي بمجزرتين كبيرتين في ساحتي «رابعة» و«النهضة» في آب/أغسطس 2013 عن سطوة و«جاذبية» هذا «المنهج» الإجراميّ، فيما يظهر الدعم والتمويل والتخطيط الإماراتي لسياسات النظام اللاحقة عن كون «المجزرة» هي رسالة سياسية عربيّة وليست حاجة أمنيّة للمنظومة العسكرية المصرية فحسب، فالجيش كان قادرا على ترتيب المشهد عبر انتخابات مزيّفة، كما هي العادة العربية المعروفة، لكنّ قراءة السياسات اللاحقة لـ»الكفيل الإماراتي» في ليبيا واليمن، وفي الحادثة السورية الأخيرة، تشير إلى أن المجازر الجماعية هي رسالة سياسية مقصودها إرهاب الشعوب العربية ودفن فكرة الثورات نهائيا.
تثير «الإمبراطورية» الإماراتية الدهشة حقا في اعتبار نفسها «وليّة أمر» الأنظمة العربية و«كفيلها» الخليجي وفي جاهزيتها الدائمة لتمويل ميليشيات محلّية، أو ميليشيات عابرة للحدود، كما فعلت مع السودانيين الذين أوهمتهم بالعمل في شركات خاصة فوجدوا أنفسهم في اليمن أو ليبيا، وتدفعها هذه العنجهية السياسية والأمنية المستجدة للدخول في منافسة مع السعودية، شريكتها في «التحالف العربي»، أو للمضاربة على الأمريكيين والروس في سوريا، أو لاستبدال «الحلفاء» والتلاعب بالموالين لها أنفسهم، وبإصدار أوامر فوقية تتجاوز «سيادات» أنظمة في قضاياها الأمنية الخاصة، كما جرى في قضايا مصرية «حساسة» تخص الرئيس وابنه، أو كبار ضباط المخابرات، وهو ما يجعل من الإمارات ظاهرة بحد ذاتها، تستحق الدراسة والتأمل كي نفهم، على الأقل، الفرق بين السياسة و«الكفالة» المالية!