هل تساءلت يوما عن نوع الصخور التي تشكل تلك اللطخات الساطعة والمظلمة على سطح القمر؟ حديثا، رسم العلماء خريطة جديدة ملونة لسطح القمر قد تساعد في شرح تاريخ أقرب جار لنا في الفضاء والذي يبلغ عمره 4.5 مليارات عام.
تعد هذه الخريطة هي الأولى التي تصور سطح القمر كاملا والتي أعيد تكوينها من قبل علماء هيئة المسح الجيولوجي بالتعاون مع وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) ومعهد الكواكب القمرية.
البناء على الجهود السابقة
استخدم العلماء معلومات من ست خرائط للقمر كانت متوافرة منذ بعثات “أبولو”، إلى جانب معلومات محدثة أتت بها بعثات الأقمار الصناعية الأخيرة التي أرسلت إلى القمر.
لإنتاج هذه الخريطة الرقمية الجديدة والكاملة لسطح القمر، أعاد العلماء رسم خرائط “أبولو” التاريخية لتوافق مجموعات البيانات الحديثة، ومن ثم أمكنهم الحفاظ على الملاحظات والتفسيرات السابقة التي زودتنا بها رحلات “أبولو”.
كما استعان العلماء بملاحظات وكالة استكشاف الفضاء اليابانية للحصول على معلومات حول النتوءات الموجودة عند خط الاستواء القمري، واستمدوا تضاريس القطبين الشمالي والجنوبي من مقياس الارتفاع الليزري المداري التابع لوكالة الفضاء الأميركية.
إضافة إلى ذلك، طور باحثو هيئة المسح الجيولوجي وصفا موحدا للجيولوجيا الطبقية (طبقات الصخور) للقمر، مما ساعد في وضع تصور موحد ومتناسق لأسماء الصخور وأوصافها وأعمارها، والتي لم يكن يتسق -أحيانا- بعضها مع بعض في السابق.
تتكون الخريطة النهائية من 43 وحدة جيولوجية لسطح القمر بأكمله، مقسمة إلى مجموعات أصغر بناء على الخصائص المختلفة، مثل تراكيب الفوهات البركانية والأحواض واليابسة والسهول والوحدات البركانية.
كما تظهر الخريطة بقعا زاهية اللون على سطح القمر تمثل أعمارا مختلفة لتلك الخصائص الجيولوجية.
خريطة جديدة.. وبُعد جديد
ستساعد هذه الخريطة الرقمية للقمر بشكل كبير في نجاح مهمات القمر الحالية والمستقبلية. وعن أهمية هذه الخريطة يعلق مدير هيئة المسح الجيولوجي ورائد الفضاء السابق في وكالة الفضاء الأميركية جيم ريلي -فيما نقله موقع “فيز.أورغ”- قائلا “لطالما فتن البشر بالقمر ومتى يمكننا زيارته مرة أخرى”.
وأضاف أنه “من المدهش أن تقدم هيئة المسح الجيولوجي هذا المصدر الجديد الذي قد يساعد وكالة الفضاء الأميركية على تخطيط بعثاتها المستقبلية للقمر”.
فعلى سبيل المثال يعد استكشاف القطب الجنوبي للقمر أمرا مثيرا للاهتمام، وذلك لكونه أكبر بكثير من القطب الشمالي، وكذلك لاحتمالية وجود المياه في مناطقه المظللة بشكل دائم. إضافة إلى ذلك، يحتوي القطب الجنوبي على السجل الأحفوري للنظام الشمسي المبكر.
لذا تخطط وكالة الفضاء الأميركية في برنامجها المسمى “أرتيميس” (Artemis) -وهو برنامج رحلات الفضاء البشرية- للعودة الكبيرة إلى القمر مرة أخرى، وذلك بإرسال البشر إلى القطب الجنوبي للقمر بحلول العام 2024.
وعليه فإن خريطة كاملة كتلك قد تضفي بعدا جديدا ومهما في نجاح البعثات المستقبلية للقمر، كما من شأنها أن تساعد رواد الفضاء على تحديد مواقع الهبوط على سطح القمر، وكيفية استكشافهم لسطحه أثناء تلك البعثات.
مشروع دام عقودا
ويقول قائد هذه الدراسة من هيئة المسح الجيولوجي كوري فورتيزو إن “هذه الخريطة تعتبر تتويجا لمشروع دام عقودا، وذلك لأنها توفر معلومات جوهرية للدارسين العلميين من خلال ربطها لما تم استكشافه من مواقع محددة على سطح القمر ببقية سطحه”.
كما أن الحصول على خريطة أكثر دقة لتضاريس القمر تمنح الفلكيين رؤية أعمق تساعدهم على فهم أصول القمر، آخذين في اعتبارنا غياب الرياح أو الأنهار أو الصفائح التكتونية التي تمحو أو تغير من السمات الجيولوجية.
ومن ثم فإن هذه الخريطة تساعد الجيولوجيين على معرفة المزيد عن التاريخ المبكر لنظامنا الشمسي. كما أن التركيب الكيميائي للحفر والصخور الموجودة على سطح القمر، قد تساعد أيضا على معرفة التركيب الكيميائي المبكر للأرض، مما قد يمكننا من فهم كيفية تكون الحياة على سطح الأرض.
نقلا عن الجزيرة