الكاتب سونغ شيان يقدم قراءات موجزة في رحلات عدد من الرحالة الصينيين المسلمين وغير المسلمين إلى البلدان العربية بما فيها مصر ومنطقة الشام والجزيرة العربية.
يقدم هذا الكتاب “موجز تاريخ التبادلات الثقافية بين الصين والعالم العربي” لسونغ شيان نائب رئيس جمعية دراسات تاريخ التبادلات الصينية الأجنبية والباحث بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، والذي ترجمه عن الصينية د. حسانين فهمي حسين الأستاذ المساعد بكلية الألسن جامعة عين شمس- أستاذ اللغة الصينية والترجمة المشارك بكلية اللغات والترجمة جامعة الملك سعود، موجز تاريخ التبادلات الثقافية بين الصين والعالم العربي منذ مطلع القرن السابع الميلادي وهو تاريخ دخول الإسلام إلى الصين حتى مطلع القرن التاسع عشر. ويهتم بتقديم قراءات موجزة في رحلات عدد من الرحالة والبحارة الصينيين المسلمين وغير المسلمين إلى البلدان العربية بما فيها مصر ومنطقة الشام والجزيرة العربية.
قال سونغ شيانفي عند تقديمه لكتابه الصادر عن دار جامعة الملك سعود للنشر إنه قبل تأسيس الدولة الإسلامية على يدي محمد (صلى الله عليه وسلم)، كانت هناك بعض المناطق العربية تابعة لحكم الفرس، وقد أطلق الفرس على العرب اسم “التاز” أو “التازيان” ولا تزال هذه الكلمة موجودة في الفارسية حتى العصر الحالي.
وقد أخذ الصينيون هذه التسمية عن الفرس في عصر أسرة تانغ الصينية التي حكمت خلال الفترة (618-907 ميلادية)، وبدأوا يطلقون على العرب اسم التازيان، وظلت هذه التسمية تستخدم في الصين حتى عصر أسرة مينغ (التي حكمت خلال الفترة 1368-1644). وهكذا فإن تاريخ هذه التبادلات الثقافية الوثيقة بين الأمتين العربية والصينية أو بين الصين وبلاد العرب تضرب بجذورها في التاريخ إلى ما يزيد على ثلاثة عشر قرنا من الزمان. حيث كانت البداية قديما في عصر أسرة تانغ الصينية في القرن السابع الميلادي، ويوجد في العصر الحالي 10 قوميات صينية من مجموع 56 قومية صينية تدين بالدين الإسلامي.
وأكد أن اللغة العربية تركت تأثيرا كبيرا في تاريخ الثقافة العالمية. وفي مطلع القرن العشرين، بدأت منطقة شينجيانغ الصينية في استخدام الحروف العربية في عملاتها الفضية، فكان أحد وجهي العملة الفضية يكتب بالرموز الصينية والآخر بالحروف العربية، مما يؤكد على عمق التبادلات بين الثقافتين العربية والصينية.
قد لفت سونغ شيان في كتابه إلى أن الامبراطور الصيني مينغ تشينغ تزو جودي (1360-1424م) أرسل البحار الصيني المسلم جينغ خه على رأس أسطول بحري كبير في رحلة لدول منطقة غرب المحيط الأطلسي والمحيط الهندي. وكان من بين أهداف تلك الرحلات فتح الباب أمام التجارة بين الصين والعالم الخارجي، والعودة بكميات من البضائع من الدول المجاورة للصين آنذاك.
من الناحية التاريخية والجغرافية، يمكن القول إن تاريخ التبادلات الثقافية بين مختلف القوميات التي عاشت في المنطقة العربية قديما وبين القوميات الصينية القديمة ترجع إلى أغوار بعيدة
وفي رحلاته الخامسة والسادسة والسابعة إلى منطقة غرب المحيط، وصل أسطول البحار الصيني جينغ خه إلى بلاد العرب، وحيث كانت تلك الرحلات الثلاث من الزيارات الهامة والمؤثرة في تاريخ التبادلات بين الصين والعرب. وأضاف “بعد وصول الأسطول الصيني بقيادة جينغ خه إلى الهند، تحرك من مرسى كلكتا الهندي، وسار صوب الجنوب الغربي لمدة ثلاثة شهور حتى بلغ ميناء جدة على ساحل البحر الأحمر في محيط شبه جزيرة العرب. وعندها توقف الأسطول في ميناء جدة وسار البحار جينغ خه ورفاقه جنوبا مسافة يوم واحد حتى بلغوا مكة المكرمة. حيث شاهدوا أهل مكة من المسلمين والتزامهم الشديد بتعاليم الإسلام.
وذكروا بأن أهل مكة “كانوا يعرفون بقاماتهم الطويلة ولون بشرتهم السمراء، حيث يضع الرجال فوق رؤوسهم العمامة البيضاء، ويرتدون الجلباب، والأحذية المصنوعة من الجلد. أما النساء فكن يظهرن مرتديات النقاب الذي يغطي كامل الوجه”.
كما عرف جينغ خه ورفاقه أن أهل مكة يتحدثون اللغة العربية، وكانت هذه أول مرة يتم فيها ذكر كلمة “العرب” ولغتهم في كتب التراث الصينية.
كما عرفوا أن العرب المسلمين “لا يتناولون الخمور ويعرفون بالتزامهم بتعاليم دينهم وعاداتهم الطيبة التي تنظم أمور حياتهم”. ثم ساروا مسافة نصف يوم حتى وصلوا إلى الكعبة المشرفة.
وقد كان قائد الوفد الصيني جينغ خه ومترجما إلى اللغة العربية ماخوان من أبناء قومية هوي الصينية المسلمة، حيث سعدوا كثيرا برؤية الكعبة المشرفة وبهذه الفرصة التي أتيحت لهم للصلاة في رحابها.
ويذكر المترجم ماخوان في ما ذكره حول تلك الرحلة إلى مكة المكرمة: كانت الكعبة محاطة بسور له 466 مدخلا، ينتصب حول تلك المداخل الكثير من الأعمدة من اليشم أو الجاد الأبيض، والتي كان يصل عددها إلى 467 عمودا. 99 عمودا في الجهة الأمامية، و101 في الجهة الخلفية، و132 في الجهة اليسرى و135 من الجهة الجنوبية.
وكانت للكعبة دعائم خشبية من خشب الصندل. وكانت مغطاة بكسوة سوداء. وكانت تفد إليها في اليوم العاشر من الشهر الثاني عشر من التقويم الهجري كل عام الجموع الغفيرة من شتي بقاع الأرض لأداء فريضة الحج، ومنهم من كانت رحلته تستغرق عاما أو عامين مرورا بالجبال أو الأنهار والبحار حتى يبلغوا الكعبة. وإلى جانب الكعبة هناك حجر النبي إسماعيل”.
وأشار سونغ شيان إلى أن جينغ خه ورفاقه قد استطاعوا من خلال رحلاتهم الثلاث إلى بلاد العرب أن يقدموا وصفا تفصيليا حول الجوانب الاقتصادية والدينية والثقافية للمجتمع العربي آنذاك، حيث كانوا قد تمكنوا من التواصل مع مختلف طبقات المجتمع العربي، وتعمقوا في معرفة الكثير مما يتعلق بالمجتمع العربي، مما كان له دوره في إقامة علاقات رسمية بين السلطات الصينية والعربية آنذاك.
وكان ذلك بمثابة حدث مهم جدا في تاريخ التبادلات الثقافية بين الصين والعالم العربي، والتبادلات التجارية بين الصين وبلاد العرب قديما عبر طريق الحرير المعروف، وتاريخ التبادلات الثقافية بين الصين وبلاد العرب خلال الفترة المشار إليها.
كما يقدم الكتاب بشكل واضح لتأثير الطب العربي القديم في الطب الصيني وانتشار الفنون العربية في الصين. ويهتم الكتاب بين صفحاته بالتقديم لصورة العالم العربي والإسلامي وخلفاء الدولة الإسلامية كما دونتها كتب التراث الصينية.
مادة مهمة حول تاريخ العلاقات والتبادلات الصينية العربية
وأوضح “من الناحية التاريخية والجغرافية، يمكن القول إن تاريخ التبادلات الثقافية بين مختلف القوميات التي عاشت في المنطقة العربية قديما وبين القوميات الصينية القديمة ترجع إلى أغوار بعيدة. ووفقا لمصادر التاريخ الصيني الرسمي، فإن الصين كانت قد عرفت المنطقة العربية قديما في عصر أسرة خان الصينية. فنجد أن كتب “كتاب التاريخ” و”كتاب عصر خان” قد أطلقت على منطقة بلاد الرافدين أو العراق حاليا اسم “تياوجه” (بلاد النهرين). كما قام بان تشاو حاكم المنطقة الغربية في عصر أسرة خان الشرقية من حدود الصين القديمة بإرسال نائبه قانيينغ في زيارة إلى الامبراطورية الرومانية.
وكان النائب قانيينغ قد زار بنفسه منطقة بلاد الرافدين أو بلاد النهرين. وكانت تلك المنطقة تضم آنذاك العراق ومنطقة شبه الجزيرة العربية بأكملها. حيث كان النائب قانيينغ ومرافقوه قد تحدثوا عن زيارتهم إلى تلك المنطقة بأنها “تحيطها المياه من ثلاث جهات، وتحيطها الصحراء من الجهة الرابعة”. وحيث تتوافق هذه الأوصاف مع الموقع الجغرافي لشبه الجزيرة العربية الحالية.
وذكر سونغ شيان أنه من خلال ما تضمنته كتب التراث الصينية، فإنه يمكن القول إن الصين كانت قد عرفت الكثير من المعلومات حول ثقافة منطقة البحر المتوسط منذ عصر شيان تشين. فعلى سبيل المثال، نجد أن كتاب “شان خاي جينغ” من عصر أسرة خان يحتوي على الكثير من الحكايات والقصص الغريبة والمثيرة لشعوب ومناطق خارج الصين في عصر شانغ وجوو من بينها القصص المتعلقة بتمثال أبوالهول (سفنكس) أمام الأهرامات المصرية.
يذكر كتاب “شان خاي جينغ. حكايات من الشرق”: “تمثال إله، بوجه إنسان وأذنين كبيرتين وجسد حيوان ضخم، اسمه شبيشه” وقد قام الباحث الصيني يوان كه المتخصص في الأساطير بترجمة هذا المضمون قائلا إنه يعني “أن هناك تمثالا لإله بوجه إنسان وأذنين كبيرتين وجسد حيوان ضخم، يحيط بأذنيه زوج من الأفاعي، اسمه شبيشه”.
كما يذكر كتاب “شان خاي جينغ” في نهاية الباب التاسع “أنه في العام الأول من عصر جيان بينغ (عام 6 قبل الميلاد) والذي صادف عام الكلب حسب التقويم الصيني، قام موظف القصر تاي تشانغ شو بالإشراف على شؤون الدراسة وإعداد المواهب في القصر، وكان من بين موظفي القصر المسؤولين عن هذه الشؤون قوانغ لوشيون وفينغ تشه”. مما يؤكد أن كتاب “شان خاي جينغ” قد ظهر في عصر أسرة خان الغربية.
وألقى هذا الكتاب الضوء على تاريخ وظروف دخول الإسلام إلى الصين في عصر أسرة تانغ الصينية التي حكمت خلال الفترة (618-907 ميلادية) عن طريق التجار العرب المسلمين الذين زاروا الصين آنذاك للتجارة عن طريق البحر، ثم إقامة عدد كبير منهم بمدينة تشيوان جوو بجنوب الصين تماشيا مع ازدهار حركة التبادلات التجارية بين الصين وبلاد العرب خلال عصر أسرتي سونغ (960-1279 ميلادية) ويوان (1260-1368 ميلادية)، وقيامهم بتأسيس المساجد التي حظيت بدعم حكام الصين آنذاك، والتي لا تزال قائمة حتى اليوم كخير شاهد على العلاقات الطيبة التي كانت ولا تزال تربط بين الصين والعالم العربي.
ويقدم الكتاب لأوائل الصينيين الذين دخلوا في الإسلام، وعلاقتهم بالتجار العرب المسلمين الذين استقروا بجنوب الصين، وتأثرهم الواضح بعادات المسلمين في المأكل والمشرب والملبس. وصورة الصين وشعبها وثقافتها في كتب التراث العربية وهكذا يقدم هذا الكتاب للقارئ العربي مادة مهمة حول تاريخ العلاقات والتبادلات الصينية العربية خلال الفترة الزمنية المشار إليها. ويعد الأول من نوعه الذي يترجم مباشرة من اللغة الصينية إلى العربية في مجال تاريخ التبادلات الثقافية بين الصين والعالم العربي.
وجاء الكتاب في تقديم بقلم المؤلف، وعدد خمسة أبواب رئيسة أشتمل كل منها على عدد من الفصول، والتي غطت مجموعة من الموضوعات المهمة في تاريخ العلاقات الصينية العربية.
كاتب مصري