” ضلع قاصر ” تلك التسمية أطلقتها المجتمعات الشرقية علينا نحن النساء، كوننا في الشرق نعيش في مجتمع ذكوري بامتياز، ولعل التسمية توحي بإمكانيات المرأة المحدودة وعدم قدرتها على مواجهة الحياة دون الرجل، إلا أن المرأة السورية أثبتت عكس ذلك من خلال سنوات الحرب التي زادتها قوة وصلابة، وأجبرتها على خوض تجارب قاسية لا تتناسب مع طاقتها، ومجحفة بحق أنوثتها.
لا تكاد تخلو بقعة في أرض سوريا إلا ذاقت نساؤها من الآلام، والمعاناة ما تعجز الجبال عن حمله، ومع امتداد عمر الثورة ودخولها عامها السادس التحق كثير من الشبان بصفوف الثوار والمجاهدين في جبهات القتال، فكانت نساؤهم خير سند لهم رغم الظروف الصعبة وحياة التنقلات الدائمة وافتقارها للاستقرار الذي تطمح له كل سيدة.
“أم حامد” من ريف دير الزور تروي لنا قصتها :” كان حلم زوجي أن ينال الشهادة في سبيل أن تنتصر ثورة الحرية والكرامة، فقد التحق بجبهات حمص بعد أن أجبرنا النزوح من مدينتنا الميادين في ريف دير الزور إلى ريف حمص، ومنذ ذلك الحين لا أعرف طعم الاستقرار، فننتقل بعدها إلى ريف اللاذقية، ثم إلى ريف حلب لينتهي بنا المطاف في مدينة ادلب”.
وتضيف أم حامد :” وما من خيار أمامي سوى أن أرافقه أينما ذهب لأكون عونا له ومعيلة لأطفالي في غيابه الذي قد يدوم أحيانا أكثر من عشرة أيام، ويدوم معه قلقي وخوفي أن نفقده وأن يكون حقق حلمه ونال الشهادة حتى يعود سالما من معركته ضد قوات النظام”.
حياة الترحال الدائمة والتنقلات ليست شيئا مقارنة بمعاناة اللواتي يفقدن أزواجهن خلال المعارك فيتحملن أعباء إضافية في ظل غياب دور الرجل في حياتهن بشكل كلي، وعن ذلك تحدثنا “أم فاروق” قائلة :” بعد استشهاد زوجي في معارك خان طومان، وجب علي أن ألتزم في منزلي بالعدة التي أمرني الشرع بها، إلا أنني نازحة مع أطفالي الأربعة في مدينة إدلب ولا أعرف أحدا فيها أبدا، إذ إنني انتقلت للعيش فيها منذ شهرين قبل استشهاده، رغم أن أهل الخير لم يتركوني وحيدة إلا أنني أرعى أيتاما، فأخرج كل صباح وأضع نقابا على وجهي وأبتاع الخبز وبعض الخضار والحاجات الأساسية، فلا أملك حلا آخر”.
وتضيف أم فاروق :” زارتني في منزلي سيدة كانت قد افتتحت منظمة نسائية تعنى بالمرأة، وبالأخص للنساء اللواتي فقدن أزواجهن أو أبناءهن أو لمن لا معيل لهنّ، فانتسبت للمنظمة وأحضر حاليا بعض الدورات التأهيلية التي تقدم دعما نفسيا، وأخرى لتعليم برامج الحاسوب وتزيين شعر السيدات “كوافيرة” وأخرى للخياطة، علني أتعلم مهنة أجني منها ما يعيل عائلتي، أبذل قصارى جهدي لأعوّض أطفالي غياب والدهم والظلم الذي ذاقوه في حياتهم التي لاتشبه حياة الأطفال”.
نحن لسنا ضلعا قاصرا، ولسنا نصف المجتمع، بل نحن المجتمع بأكمله، رغم الضغط النفسي والجسدي الذي تعرضنا له، تجدنا حاضرات دوما ومستعدات لتقبّل أي شيء، فحياتنا من صنع القدر والحرب وليست من اختياران ومع ذلك تأخذ البسمة والأمل من وجوهنا التي لا تعرف أن تقدم سوى الحب.
المركز الصحفي السوري ـ سماح خالد