بعد حرب طويلة الأمد عصفت بسوريا منذ أكثر من أربعة أعوام أتت أكلها على البشر و الحجر، لم يعد للفرحة مكان في قلوب السوريين، فعملوا ما استطاعوا على إضاءة شعلة الفرح داخلهم.
كانت الأعراس في ظل هذه الأزمة باعثاً على الأمل و التفاؤل في قلوب الشعب السوري، و رغم أنهم لم ينسوا يوماً دماء الشهداء أو ما تحويه سجون الأسد و معتقلاته من أقرباء لهم، و لكن جملتهم الوحيدة كانت “لا بدّ للحياة أن تستمر” .
سامر أحد عناصر الفصائل الثورية من مدينة ادلب في الشمال السوري يروي قصته قائلاً :” منذ ثلاث سنوات و أنا أحمل بندقيتي في وجه قوات النظام، و لكن بعد تحرير مدينتنا في الشهر الثالث من عام 2015 قررت الزواج لأكمل نصف ديني و أعمل على تكوين أسرة صغيرة، و رغم أنني واجهت العديد من الصعوبات والملامات من أصدقائي بأنه لا يجب علي الاحتفال بهذا الأمر متناسياً الشهداء، إلا أنني عمدت إلى إقامة حفلة صغيرة جمعت بين أهلي و أهل العروس دون أن ننسى أوضاع البلد حولنا و دماء الشهداء التي بذلت في سبيل تحرير المدينة”.
و لعل أبرز أسباب كثرة الزواج و انتشاره بشكل كبير هو أن مطالب أهل العروس لم تعد كبيرة أو تعجيزية كما كانت سابقاً، فأصبح جل همهم أن يستروا على ابنتهم في ظل الصراع القائم في سوريا و ارتفاع نسبة ” استشهاد ” الشباب على جبهات القتال أو و هم في طريقهم إلى أعمالهم.
تقام العشرات من حفلات الزفاف خلال الشهر الواحد في المناطق المحررة، إلا أنها تختلف عما كانت عليه سابقاً فلم يعد هناك مكان للأهازيج و حفلات الرقص الشعبية أو حلقات الدبكة نظراً لأوضاع البلاد التي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، إذ تقتصر اليوم تلك العادات على دورة العروسين في السيارات في شوارع المدينة و من ثم احتفال مباركة صغير في بيت أحد الأهالي.
في الآونة الأخيرة لوحظ ارتفاع معدل الزواج في المجتمع السوري رغم صعوبات الحياة و انخفاض معدل أعمار الزوجين، فالمعدل الوسطي لأعمار الشباب المتزوجين 22 عاماً بعدما كان يصل إلى 30 عاماً والمعدل الوسطي لأعمار الفتيات أصبح يقارب ما دون الـ 18 عاماً بعدما كان يصل إلى 24 عاماً.
لم يتوان الشاب السوري في ظل الحرب التي حلّت ببلده يوماً عن حلمه في تكوين أسرة صغيرة و إكمال مسيرته في الحياة، متحدياً بذلك كل ما يحل به من قصف و قتل و تشريد و مبرهناً للعالم بأسره عن مدى صموده و إصراره على الحياة رغم كل المآسي التي تعصف بالشعب السوري و المدنيين.
المركز الصحفي السوري – محمد تاج