في بداية اللقاء مع مسؤول أميركي في “إدارة” مهمة ثانية داخل الإدارة الاميركية بادرني بالقول: “إحكِ لي عن لبنان”. ردّيت: عادة لا أحكي عن لبنان في اجتماعاتي داخل أميركا بل عن المنطقة كلها. وأنت تعرف ذلك. علّق: “لا بأس أنت تعرف محبتي للبنان واهتمامي به وشغلي عليه. لا بأس سأطرح عليك بضعة أسئلة. ماذا يجري فيه؟”. أجبت: “دولته في طريقها لأن تصبح فاشلة. لا رئيس جمهورية له منذ نحو سنتين علماً أن وجوده لا يعني أنه قادر على صنع المعجزات. حكومة تعيسة وغير منتجة. مجلس نواب مقفل. النفايات تجتاح العاصمة والمدن. طبعاً بالمقارنة مع سوريا تبقى حال لبنان معقولة. لكن عوامل التفجير فيه موجودة دائماً. علّق: “حتى في موضوع “داعش” ورغم أن الجيش يقوم بكل ما يستطيع لمكافحة إرهابه فإنه لن يتمكن مع سائر الأجهزة والمؤسسات الأمنية من الانتصار عليه وعلى هذه الظاهرة عموماً. في سوريا يبدو وخلافاً لكل التخمينات والتأكيدات أن الأسد باق في السلطة وأنه لن يرحل عنها في سرعة. كل الناس من عرب وأجانب بعضهم أميركي كانوا يقولون إنه سينتهي. وتفجير آصف شوكت ورفاقه جعلهم يتأكدون من قرب نهايته”. قلتُ: أنا كنت من القلائل الذين قالوا منذ بداية “الربيع السوري” أو الثورة السورية عام 2011 أن الأسد لن يربح ولن يخسر وأن الثوار لن يربحوا ولن يخسروا، وأن الحرب الأهلية ستطول كثيراً. لكن يبدو أن الأسد كاد أن ينهار في الأشهر الأخيرة لولا التدخل العسكري الروسي. يسأل: “كيف ذلك؟” فشرحت ما يعرفه ويتجاهله مثل طلب إيران تدخل روسيا لأنها بواسطة ميليشياتها اللبنانية والعراقية والأفغانية وخبرائها العسكريين فضلاً عن الجيش السوري لم تعد قادرة على إبقائه صامداً بعد نيّف وأربع سنوات على بداية الثورة، علّق: “معك حق، لروسيا مصلحة في صرف أنظار الغرب وأوروبا عن احتلالها شبه جزيرة القرم وعما يجري في شرق أوكرانيا من حرب. تدخلها في سوريا يحقق هذه الغاية ولا سيما أن الهدف الرسمي والمعلن هو ضرب “داعش” الذي يعتبره العالم كله وخصوصاً أميركا وروسيا والصين وأوروبا خطراً عليه”. قلت: أعتقد أن إيران طالبة التدخل الروسي لم تكن منشرحة له ضمناً. الأسد كان مبسوطاً منه. لكنه أدرك أنه كان أسير إيران وقرارها وصار الآن أسير روسيا أيضاً وقرارها ومصالحها، ولم يفرحه ذلك. في أي حال كان الروس حذرين بعض الشيء إذ خشوا أن “يلعب الأسد على الحبلين” كما يُقال في بلادنا، وأنه قد لا ينفّذ كل ما يطلبون أو يقترحون. وهو عاند في بعض القضايا. لكنه لم يكن قادراً على السير في عناده الى النهاية.
علّق: “معك حق. المقارنة جميلة وصحيحة. نحن في أميركا وخصوصاً في “إدارتنا” لدينا مشكلتان هما روسيا والصين وتنافسهما والتنافس معهما. مشكلة الصين أكبر. روسيا لا تمتلك الإمكانات والقدرات التي تمكنها من العودة دولة عظمى أو قوة عظمى تنافس أميركا وذلك بعكس الصين. لذلك علينا التعامل مع هذا الوضع. وعندنا أيضاً مشكلة “داعش” والارهاب”. قلتُ: إن مشكلة “داعش” توحِّد وإن جزئياً العالم ضد إرهابه. وربما ينزل الصراع الأول المشار إليه أعلاه الى المرتبة الثانية، إلا إذا فاجأ أحدٌ أحداً. مثلاً إذا فاجأ الروس أوروبا وأخذوا أوكرانيا. في اعتقادي لن يحاول الروس ذلك وخصوصاً بعد تدخّلهم أو تورّطهم في سوريا إذا كانوا حكماء. لكن إذا جنّ بوتين واستدار نحو أوروبا الشرقية فإن أمراً جللاً سيحصل. وإذا قرر متابعة تدخله في سوريا تنفيذاً لرغبة الأسد في استعادة السيطرة على سوريا كلها فإنه سيتورّط في “أفغانستان” ثانية. علّق: “المشكلة في “داعش” أنه خطر إيديولوجي وأيضاً في مئات آلاف اللاجئين أو ربما الملايين منهم وغالبيتهم الساحقة مسلمة. ما رأيك؟”. أجبت: أثبت “داعش” أنه تنظيم بالغ التنظيم، أسس دولة خلافة وعدم الإسراع في إزالتها سيجعلها عنصر جذب للإسلاميين في كل العالم الاسلامي. وسيصبح التخلص منها صعباً. واللاجئون خطر على دول لجوئهم. فبينهم “داعش” ومتطرفون أُرسلوا عمداً مع موجات اللجوء. وإذا أُسيئت معاملتهم فإن القدرة على تجنيدهم تصبح أكبر. وكذلك إذا استمرت حروب بلدانهم ولم تتحسن ظروف عيشهم في أماكن اللجوء.
ماذا في جعبة مسؤول مهم في “الإدارة” المهمة الثانية نفسها داخل الإدارة الأميركية؟
النهار