تحذر الأوساط الغربية من انعكاسات المراوحة الحالية في الأزمة الحكومية اللبنانية، لاسيما مع انهيار متسارع للوضعين المالي والاقتصادي، إلا أنه لا يبدو أن مثل هذه التحذيرات تلقى أي تجاوب في حضرة نخبة تنتظر التغيير من الخارج قبل الداخل.
بيروت – يواجه لبنان انهيارا دراماتيكيا في ظل نضوب متسارع لاحتياطاته من العملة الأجنبية، فيما الطبقة السياسية المتحكمة في المشهد لا تبدو مبالية، شغلها الشاغل تقطيع الوقت إلى حين تسلم إدارة أميركية جديدة المشعل.
ويهيمن حزب الله وحلفاؤه على السلطة السياسية في لبنان، ويأملون أن تحمل الإدارة الجديدة للبيت الأبيض تغييرا في الموقف حيالهم، وفي هذا السياق تأتي مماطلتهم في تشكيل حكومة جديدة.
وتقول دوائر سياسية لبنانية إنه من الغباء انتظار تحول قد لا يأتي أبدا، فيما البلاد في أمسّ الحاجة إلى تحرك سريع لوقف الانهيار المتسارع.
وفاز المرشح الديمقراطي جو بايدن بانتخابات الرئاسة الأميركية، لكن منافسه الرئيس الحالي دونالد ترامب يرفض التسليم بالهزيمة، وسط مخاوف من دخول البلاد في دوامة من الانتظار لن تؤثر فقط على الداخل الأميركي بل وعلى الصعيد الدولي.
وتشير الدوائر إلى أنه حتى وإن سارت الأمور بسلاسة، فليس من المتوقع أن تقدم إدارة بايدن على هدم كل سياسات إدارة ترامب ومن الوهلة الأولى، فليس بمثل هذه الطريقة تدار الأمور في الولايات المتحدة التي هي بالأساس دولة مؤسسات.
ووجهت القوى الغربية إنذارا إلى قيادات لبنان بوقف المماطلة والانطلاق في ورشة الإصلاحات ومدخلها تشكيل حكومة تتمتع بالمصداقية، مشددة على أنه لن يكون هناك أي دعم مجاني بعد الآن لهذا البلد.
الرسالة الواردة من القوى اللبنانية إلى الفرنسيين واضحة الآن: لا حكومة ولا إصلاح إذا مع السلامة وشكرا
وبدأ الصبر ينفد لدى فرنسا والولايات المتحدة وغيرهما من الدول المانحة التي سبق أن قدمت مساعدات للبنان أكثر من مرة منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990، على الساسة الذين كان كثير منهم وجوها مألوفة خلال انزلاق البلاد إلى أزمتها الاقتصادية.
وتفجّرت في أكتوبر من العام الماضي احتجاجات ضخمة على النخبة الحاكمة في لبنان، إذ حمّلها الناس مسؤولية رعاية مصالحها المكتسبة في الوقت الذي كان فيه الدين العام يتزايد. وقد أدت جائحة فايروس كورونا إلى زيادة الضغوط على موارد البلاد، ودمر انفجار هائل في مرفأ بيروت خلال أغسطس الماضي مساحات كبيرة من المدينة التي لطالما تباهى بها اللبنانيون.
ومع نفاد الدولارات، ظهر نقص في السلع الأساسية ومن بينها الأدوية، كما يتزايد عدد من يسقطون بين براثن الفقر في لبنان.
وسارع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الحليف الطبيعي نظرا لأن لبنان مستعمرة فرنسية سابقة، إلى زيارة المدينة عقب الانفجار، وحاول إقناع الساسة بتطبيق إصلاحات جزئية على الأقل للتصدي للوضع الطارئ. غير أن فئات متنافسة لا تزال تتصارع على النفوذ. ولم يشكل لبنان حكومة منذ استقالة حكومة حسان دياب على خلفية انفجار بيروت. ومثلما حدث في الأزمات السابقة، يتهم كل طرف الطرف الآخر بأنه يتحمل مسؤولية هذا الوضع.
وقال مصدران شاركا في محادثات جرت في بيروت الأسبوع الماضي، إن باتريك دوريل مستشار ماكرون لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أوضح في المحادثات مع مسؤولي البلد أنه رغم حفاظ باريس على تعهداتها “فنحن لن ننقذهم ما لم تكن هناك إصلاحات
وأوضح دبلوماسي غربي أن فرنسا ما زالت تحاول استضافة مؤتمر لبحث إعادة البناء في بيروت بنهاية نوفمبر لكن الشكوك قائمة. وأضاف الدبلوماسي “لا توجد أي تطورات. الساسة اللبنانيون عادوا إلى أسلوبهم في العمل، والمقلق هو التجاهل التام للشعب”.
وعلى ضوء تعثر فرص تشكيل حكومة، ترى الدوائر السياسية اللبنانية أن فرص انعقاد هذا المؤتمر تبدو منعدمة، حيث أن لا أحد سيشارك في هذا المؤتمر، وباريس لن تتحمل إثارة المزيد من الغضب الأميركي.
وأبدت الولايات المتحدة انزعاجا من التعاطي الفرنسي المرن مع قادة لبنان ولاسيما حزب الله، وقد تصدر هذا الملف أجندة زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى فرنسا قبل أيام.
وكانت دوروثي شيا السفيرة الأميركية لدى لبنان صرحت في مؤتمر عبر الهاتف لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، يوم الجمعة، أن الولايات المتحدة “تدرك أن لبنان مهم” وأن “تحاشي فشل الدولة… يجب أن تكون له الأولوية القصوى”.
واستدركت بالقول “لكن لا يمكن أن نرغب في ذلك فعلا أكثر من رغبتهم هم فيه”. وأكدت أنه لا خطط إنقاذ من دون إصلاحات. وتابعت “اكتسبنا حنكة”، مضيفة أنه سيكون هناك “نهج تدريجي خطوة بخطوة، ولا شيء مجانيا بعد الآن”.
ويكافح سعد الحريري رئيس الوزراء السني المكلف بموجب اتفاق اقتسام السلطة المبني على أسس طائفية في البلاد لتشكيل الحكومة.
وتقول بعض المصادر إن الجهود تعقدت بفعل العقوبات الأميركية الأخيرة التي فُرضت على جبران باسيل صهر الرئيس ميشال عون والذي يرأس التيار الوطني الحر، أكبر الأحزاب المسيحية في البلاد.
وفُرضت العقوبات على باسيل بناء على اتهامات بالفساد ولصلاته بحزب الله المدعوم من إيران، وهو أقوى طرف في لبنان ويعد قوة ضاربة لطهران في المنطقة، وتعتبره واشنطن جماعة إرهابية.
وينفي باسيل اتهامات الفساد. وتقول مصادر رسمية إن النقطة الرئيسية العالقة هي إصرار عون وباسيل على تعيين وزراء في الحكومة المكونة من 18 وزيرا. ويريد الحريري أن يكون كل الوزراء من المتخصصين ولا صلة لهم بالأحزاب السياسية.
وقال مصدر على صلة وثيقة بالمحادثات، إن بعض المعنيين ذكروا أن باسيل هو العقبة الرئيسية أمام تشكيل الحكومة. وينفي باسيل هذا الاتهام قائلا إن من حق حزبه أن يسمي وزراء بما أن آخرين استطاعوا تسمية وزراء.
وأوضح مصدر مطلع على تفكير حزب الله، أن دوريل طلب من الحزب أن يحاول إقناع باسيل بتخفيف موقفه، غير أن حزب الله يرفض الضغط عليه لأن ذلك قد يضعفه بدرجة أكبر.
وحذرت عدة مصادر من أن الجمود الحالي وضع انتحاري للبلاد التي تستنفد ما لديها من احتياطيات أجنبية بسرعة. وتقدر هذه الاحتياطيات بمبلغ 17.9 مليار دولار فقط.
وبسبب العقوبات، التي سلمت السفيرة شيا بأنها جزء من حملة “الضغوط القصوى” التي تفرضها إدارة دونالد ترامب على إيران، تتجه إيران وحلفاؤها للانتظار حتى يترك ترامب منصبه.
وقال مصدر سياسي رفيع مطلع على المحادثات “الرسالة الواردة من الفرنسيين الآن واضحة: لا حكومة ولا إصلاح، إذا فمع السلامة وشكرا”. وأضاف “وإذا غسل الفرنسيون أيديهم من هذا الأمر، فمن سينظر إلينا؟ الخليج؟ الولايات المتحدة؟ لا أحد”.
وتابع “في نهاية اليوم، لا يعرفون كيف يتعاملون مع الظروف الاستثنائية والتحديات… نحن ما زلنا نتعامل مع تشكيل الحكومة وكأننا نعيش أياما عادية”.
وقالت السفيرة شيا إن على المانحين التشبث بموقفهم وإلا فإن النخبة السياسة لن تأخذهم على محمل الجد. وأضافت “إذا لم يشعروا بأهمية عنصر الوقت لتشكيل حكومة فكيف نواصل الضغط عليهم؟ هم ينظرون إلينا ولسان حالهم يقول ’حاولوا أن تجعلونا ننفّذ الإصلاح، سيكون من الممتع مشاهدتكم تحاولون ذلك’”.
نقلا عن صحيفة العرب
”