في أقوى موقف للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، دعا في عظة اليوم الأحد إلى “إعادة النظر بالتشكيلة الحاكمة واستقالة الحكومة برمّتها وإجراء انتخابات نيابية مبكرة”، واصفاً الانفجار في مرفأ بيروت بأنه “جريمة موصوفة ضد الإنسانية”، مؤكداً “وجوب الاستعانة بتحقيق دولي”.
وبعد وقت قليل على عظة البطريرك، أعلنت وزيرة الإعلام منال عبد الصمد تقديم استقالتها من الحكومة، معتذرة من اللبنانيين “الذين لم نتمكن من تلبية طموحاتهم وبقي التغيير بعيد المنال”.
وعلمت “القدس العربي” أن وزير البيئة والتنمية الإدارية دميانوس قطار أعدّ بيان استقالته وناقش الخطوة مع البطريرك الراعي في انتظار حسم القرار. ومن المعلوم أن وزيرة الإعلام مقرّبة من الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، والوزير قطّار مقرّب من بكركي، وتأتي هذه الخطوة لتعقب استقالة وزير الخارجية ناصيف حتّي.
وجاء في موقف البطريرك الراعي: “بقلبٍ يعتصره الحزن والألم ممزوجين بالرَّجاء للانفجار الهائل الغامض الذي وقعَ في مرفأ بيروت عصر الثلاثاء 4 آب، نقدِّمُ هذه الذَّبيحة الإلهيَّة معكم لراحة نفوس الـ155 ضحيَّةً بريئة وعزاء عائلاتهم، ولشفاء 5000 جريح من بينهم 120 في حالةٍ حرجة، ولإيجاد الـ60 مفقودًا، ومساعدة أصحاب الـ8000 بيت متضرِّر، والـ300.000 نازح، ومالكي السَّيَّارات والشَّاحنات والباصات التي أُتلِفَت حريقًا أو تدمَّرت بالانهيارات، ولإعادة ترميم وبناء ما تهدَّمَ في المستشفيات والمدارس والكنائس ودور العبادة والمؤسَّسَات العامَّة والخاصَّة الصِّناعيَّة والتِّجاريَّة والسِّياحيَّة وسواها من معالم بيروت الهندسيَّة التَّاريخيَّة الجميلة.
وتابع: “إنَّها كارثةٌ هزَّت دول العالم. ومن حقِّها، إذ تمدُّ لبنان بالمساعدات السَّخيَّة والمحبَّة، أن تعرف أسبابها الغامضة، والمرجعيَّة المحفوظة لها منذ ستّ سنوات هذه الكمِّيَّة الهائلة من الموادّ المتفجِّرة في أخطر مكانٍ من العاصمة، والغاية من وجودها.إنَّهَا جريمةٌ موصوفةٌ ضدَّ الإنسانيَّة. ومن الواجب الاستعانة بتحقيقٍ دوليّ لكشف حقائقها كاملة وإعلانها، مع وجوب محاسبة كلِّ مسؤولٍ عن هذه المجزرة والنَّكبة مهما علا شأنه”.
ووجّه الراعي “تحيَّةَ عرفان جميل وشكر لجميع الدُّول شرقًا وغربًا الذين سارعوا وأرسَلوا مساعدات متنوِّعة، ولتلك التي قطعَت وعودًا بمساعدات. بهذا التَّضامن لم ترفع الحصار عن السُّلطة الحاكمة، بل عن الشَّعب اللُّبنانيّ المنكوب”.
وخصّ الراعي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بـ”عاطفة شكرٍ وتقدير على السَّاعات المليئة بالعاطفة التي قضاها في بيروت بعد يومٍ من وقوع الإنفجار، وقد سبقته طائرات المساعدات من بلاده. إنَّ زيارته التَّفقُّديَّة للمرفأ ولشارع الجمَّيزة عزَّت أبناء بيروت واللُّبنانيِّين وشجَّعتهم. ووضعَت المسؤولين السِّياسيِّين أمام خطورة مسؤوليَّاتهم وحجم تقصيرهم ونتائج مكابرتهم.بهذه الزِّيارة شارَكَ اللُّبنانيِّين إرادتهم في إنقاذ لبنان وحدَّد مساحة الدَّور الدَّولي”.
وأضاف الراعي: “نشكرُ الرَّئيس الفرنسي وأمين عام منظمة الأمم المتحدة على دعوتهما إلى مؤتمرٍ دوليٍّ يُعقد ظهر اليوم الأحد لنجدة لبنان والمساهمة في إعادة إعمار بيروت ومدارسها ومستشفياتها”.
ورأى “أن لقاء الرئيس ماكرون مع الشَّعب المجروح بالعمق في شارع الجمَّيزة دعوةٌ للسُّلطة كي تُصغي إلى صوت الشَّعب والثَّورة، وإلى نداءات المجتمع الدَّولي المتكرِّرة: مِن الدُّول الكبرى إلى الإتِّحاد الأوروبيّ، ومن الأممِ المتَّحدة وجامعة الدول العربية، إلى المؤسَّسَات النَّقديَّة العالميَّة، التي َحثّت المسؤولين، حكما وحكومةً ومجلسا نيابيا، على سماعِ صوتِ الشَّعب، وتغييرِ الأداء، وإجراءِ الإصلاحات، ومكافحةِ الفساد، وتوحيدِ السِّلاح، والحيادِ عن الصِّراعات، واحترامِ القراراتِ الدَّوليَّة، وإشراكِ الأجيالِ الجديدة في حكمِ البلاد وتحضير مستقبلها. لكنَّ كلَّ نداءات العالم، بعد نداءات الشَّعب، ذهبت سُدًى فتفاقمت الأوضاع واستشرى الفساد وعَمَّت المحاصصة وتناثرت مؤسَّسَات الدَّولة أشلاء كزجاج بيروت”.
وأكد الراعي أن “ما شهدناه بالأمس من تحرُّكات شعبيَّة غاضبة يؤكِّد على نفاذ صبر الشَّعب اللُّبناني المقهور والمذلول، ويدلُّ على التَّصميم في التَّغيير إلى الأفضل. ولكن في الوقت عينه نبدي حزننا وأسفنا لسقوط شهيد من قوى الأمن الدَّاخليّ نسأل لنفسه الراحة السماوية، وعددٍ كبيرٍ من الجرحى في صفوف القوى الأمنيَّة والثوَّار نصلي من اجل شفائهم.ونسأل: ألا يستوجب كلُّ هذا، مضافًا إلى كارثة بيروت ومأساة أهلها، قراراتٍ جريئةً في دولةٍ ديمقراطيَّةٍ تُعيدُ النَّظر في التَّشكيلة الحاكمة وطريقة حُكمِها؟ فلا تكفي استقالة نائبٍ مِن هنا ووزيرٍ من هناك، بل يجب، تحسُّسًا مع مشاعر اللُّبنانيِّين وللمسؤولية الجسيمة، الوصول إلى استقالة الحكومة برمَّتها إذ باتت عاجزةً عن النُّهُوض بالبلاد، وإلى إجراء انتخابات نيابيَّة مبكّرة، بدلاً مِن مجلسٍ باتَ عاطلاً عن عمله”.
وعاد البطريرك للحديث عن الحياد فقال: “إنَّنا نؤمن إيمانًا وطيدًا أنَّ لبنان سيقوم كدولةٍ إلى نظامٍ جديد هو نظام الحياد النَّاشط… ومِن شأن هذا الحياد أن يُحقِّق الاستقرار، ويُؤمِّن خير جميع اللُّبنانيّين، ويُعيد وحدة العائلة اللُّبنانيَّة بكلِّ مكوِّناتها وجمال تنوُّعِها”.
نقلا عن القدس العربي