دفعت الحرب المتواصلة منذ خمسة أعوام في سوريا الآلاف من مواطنيها إلى الفرار خارجها، وبين هؤلاء من قصد اليمن، لكن مع اندلاع الحرب في هذا البلد العربي انطبق عليهم المثل القائل “كالمستجير من الرمضاء بالنار”.
في شقة من ثلاث غرف ضيقه بحي مذبح (شمال صنعاء)، يقيم المواطن السوري رمزي مع عائلته المكونة من 11 فردا. عائلة رمزي كانت ميسورة الحال عندما وصلت إلى صنعاء بعد فرارها من الحرب بسوريا، وكان دخله ودخل والده العامل بقطاع التدريس -نحو أربعمئة دولار أميركي- يغطيان بعض احتياجات العائلة.
غير أن الأوضاع المعيشية بظروف الحرب في اليمن ازدادت سوءا، ولم تعد العائلة الوافدة تستطيع تغطية تكاليفها الضرورية، بسبب غلاء الأسعار. ورغم ذلك، فإن ظروف رمزي وعائلته هي أفضل بكثير من ظروف عائلات سورية كثيرة في اليمن؛ فرمزي ووالده ما زالا يمارسان عملهما في وقت أصبح فيه الكثير من مواطنيهم عاطلين عن العمل بسبب الانهيار الاقتصادي في البلد الذي يشهد حربا داخلية.
“محمد يتحدث عن مشاعره قائلا بمرارة “هربنا من جحيم في الوطن إلى جحيم آخر في اليمن، لكن الحمد لله على كل حال”
يتحدث بمرارة
فعائلة محمد التي تتكون من 12 شخصاً -بينهم خمس فتيات- تعيش على راتب الأب الذي لا يتجاوز ثلاثمئة دولار، ويتحدث محمد عن مشاعره قرب منزله الشعبي شمال صنعاء قائلا بمرارة “هربنا من جحيم في الوطن إلى جحيم آخر في اليمن، لكن الحمد لله على كل حال”.
وفي إشارة إلى قلقه مما قد يأتي به المستقبل كان أول سؤاله للصحفي الذي أجرى اللقاء معه “هل يمكنك توفير فرص عمل لأولادي؟” السؤال المحرج عكس وضع العديد من العائلات السورية ومعاناتها تحت ظروف اقتصادية صعبة.
أما الشاب السوري عبد الله -الذي يبيع حلويات في أحد الأسواق الشعبية- فهو واحد من عشرات الشباب السوريين الذين يثابرون ويكافحون من أجل تحصيل لقمة العيش.
يقول عبد الله إنه يعمل على كسب عيشه وإطعام أفراد أسرته من خلال صناعة الحلوى الشامية وبيعها في الأسواق الشعبية. عبد الله يعيل أسرة مكونة من خمسة أشخاص، ويقطن في حي شعبي بمنطقة الستين (شرق صنعاء)، حيث يبيع ما يصنعه منذ مجيئه إلى صنعاء بعد فراره من الحرب السورية التي أفقدته منزله ووالده، الذي سقط قتيلا فيه.
ورفض عبد الله تصويره قائلا: أرجوك، دعك من الإعلام؛ فواقعنا مؤلم، ولا نريد الفضائح في وسائل الاعلام، ولم نعد نرى أي شيء جميل، حالنا مثل حال إخواننا اليمنيين، ففي بلدنا حرب، وهنا أيضا حرب، وكوارث الحرب لا ترحم
“عبد الله رفض تصويره قائلا: أرجوك، دعك من الإعلام؛ فواقعنا مؤلم ولا نريد الفضائح في وسائل الاعلام، لم نعد نرى أي شيء جميل، حالنا مثل حال إخواننا اليمنيين، ففي بلدنا حرب، وهنا أيضا حرب، وكوارث الحرب لا ترحم “
ويأمل العديد من السوريين العالقين اللجوء إلى أوروبا، غير أنهم مضطرون للبقاء في هذا البلد الفقير أيضا، دون مساعدات تذكر، فضلاً عن غياب خدمات المنظمات الدولية لمساعدة اللاجئين هنا “حالهم حال الحرب المنسية في اليمن”.
مكتب المفوضية
ويتردد بعض هؤلاء اللاجئين على مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين على أمل اعتمادهم كلاجئين، وبالتالي الحصول على مساعدات الإعالة، غير أن مساعي الكثير منهم تتحطم عند بوابة مكتب المفوضية في صنعاء، كما هو الشأن بالنسبة للشاب إسحق (27 عاما) الذي باءت جميع محاولاته بالفشل للحصول على بطاقة اللجوء، بسبب العدد الكبير من المسجلين الذين ينتظرون منذ أعوام طويلة، وأغلبهم من لاجئي القرن الأفريقي، حيث يقدر عددهم بالآلاف، وفقاً لإحصاءات مكتب المفوضية السامية في صنعاء.
كما لم يتمكن إسحق من الحصول على فرصة المغادرة إلى دولة من دول الخليج المجاورة، “لا شيء يبدو لي جميلاً؛ نحن نتجرع مرارة الحرب والحرمان والتشرد”، كما يقول.
ووفقا لإحصائيات المفوضية السامية التابعة للأمم المتحدة يبلغ عدد اللاجئين المسجلين في اليمن نحو 246 ألفا، ويشكل الصوماليون نسبة 95% منهم، أما بالنسبة لطالبي اللجوء من إثيوبيا فيشكل عددهم أكثر من ثلاثة أرباع الوافدين الجدد، في حين تمّ حتى الآن تسجيل ألفي لاجئ فقط هناك حسب المفوضية السامية للاجئين.
الجزيرة