المطرقة والإزميل والمبرد ليست أدوات يستخدمها الحرفي السوري أسامة الأرناؤوط لإنجاز عمل فني فحسب، بل هو يرى في كل أداة وسيلة تنقله ببساط خشبي إلى أزمنة مضت بعد أن يكون قد حوّل جمود الخشب إلى لوحات فنية تحاكي بتفاصيلها ذاكرة المكان.
يعمل أسامة في منجرة في العاصمة الأردنية عمّان، وفي مشغله هذا ما هو أعمق ومختلف عن المناجر القريبة، ففن الأرابيسك غير معروف أردنياً ويحمل تفاصيل ومشاهد سورية مع كل قطعة خشب.
يتعامل أسامة مع قطع الخشب وكأنه يغوص بذاكرته العامرة بالأيام التي عاشها عزيزاً بفنه في سورية، فهو ينفض الغبار عن الأخشاب والذاكرة معاً ليوحدهما في الرسم والحفر والتفريغ لساعات طويلة يومياً حتى ينتهي من شكل معماري أو هندسي معين.
ونقل أسامة فن الأرابيسك إلى الأردن حيث لجأ قبل 5 سنوات، ولم يأخذ من بلاده إلا عشقه لهذا الفن الذي امتهنه منذ 25 سنة ليكمل مشواره الفني في منجرة مستأجرة مُصدّراً منها مئات القطع المزخرفة على الطريقة الإسلامية القديمة.
هذا الفن القديم أثار استغراب كثير من الأردنيين حين بدأ أسامة عرض قطع الأثاث المنقوش أمام منجرته، ما أصبح محطّ أنظار المارة وحتى تجار الخشب الذين يزوّدونه أنواعاً عدة من الخشب المتناسبة مع فن الأرابيسك.
ويستخدم أسامة خشب اللوز والجوز وأنواعاً أخرى غير متوافرة في الأردن بكثرة، ما يدفعه إلى استيراد بعضها من دول أخرى.
وعادة ما يوظف فن الأرابيسك في صناعة قطع لأثاث المنزل، كالطاولات المزخرفة والكراسي المطعمة بالأصداف، ناهيك بالجدران المفرغة بالخيط العربي. كل هذا اشتهرت به البيوت الدمشقية التي كانت تتجمل بالأشكال الهندسية والمعمارية بأنواعها.
ولم تقتصر أعماله الفنية على الأثاث المزخرف على الطريقة الإسلامية، بل وصل إلى إنجاز قطع جدارية للمساجد والبيوت، إضافة إلى أنه أنجز تحفاً وأعمدة وأبواباً ونوافذ بأشكال وأنواع متنوّعة.
وينقسم فن حفر الأرابيسك إلى أقسام عدة كالحفر الفاطمي والعباسي والأيوبي، وكلها يخالطها فن الخيط العربي والصدف والنقش.
ويقول الأرناؤوط لـ «الحياة» إن فن الأرابيسك تراث قديم ومتأصل في سورية من عهد الأمويين ويعرف بالجمال والرقي حين تزّين به أثاث المــنازل والمساجد، مبــيناً أن هذا الفن يحــتاج إلى ســاعات عــمل طـــويلة وجـــهد مــضاعف في الدقة والتركيز مع استخدام الأدوات البدائية والحديثة.
ويحذّر من أن فن الأرابيسك مهدد بالاندثار بعد الحوادث الراهنة في سورية، خصوصاً أن أصحاب المهنة قليلون جداً. وعبر عن مدى اشتياقه لمنجرته وحارات دمشق العتيقة التي كانت تبعث فيه روح الإبداع في كل عمل.
ويأمل بافتتاح منجرته الخاصة في عمّان وترك بصمة في السوق الأردنية، إلا أنه يواجه صعاباً وتحديات عديدة باعتباره لاجئاً
صدى الشام