يعول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على حشد أكبر قدر ممكن من التأييد الشعبي في الاستفتاء المنتظر تنظيمه على تعديلات دستورية مثيرة للجدل. ويتحرك النظام التركي على أكثر من جبهة لضمان نصر مؤكد في هذا الاستفتاء الذي سيحول النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي وسيتيح لأردوغان البقاء في رئاسة البلاد إلى نهاية العقد المقبل.
وبعد فشل أردوغان في المفاوضات الماراثونية لضم تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، تعول أنقرة على إعفاء أوروبي منتظر للمواطنين الأتراك من تأشيرات الدخول إلى عواصم أوروبا. وانخرط النظام التركي بدءا من أردوغان وصولا إلى رئيس الوزراء وعدد من مساعديه في حرب تصريحات وصلت حد التهديد بورقة اللاجئين القوية لإرغام الأوروبيين على تفعيل الإجراءات التي تعفي الأتراك من التأشيرات.
ولا يخلو أي أسبوع تقريبا من تصريحات متواترة للمسؤولين الأتراك والتي تطالب بالأمر نفسه في كل مرة، وآخرها تأكيد المتحدث باسم الرئيس التركي الأربعاء إبراهيم كالين بأن أنقرة تتوقع من الاتحاد الأوروبي اتخاذ خطوات في أسرع وقت ممكن للسماح للأتراك بالسفر إلى بلدانه دون تأشيرة. ووعدت بروكسل في إطار اتفاق للهجرة بينها وبين أنقرة تم التوصل إليه في مارس الماضي في ذروة أكبر أزمة للهجرة إلى أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية بمنح هذه التسهيلات للأتراك وتقديم دعم مالي مقابل التزام الجانب التركي بمنع اللاجئين من الشرق الأوسط وآسيا من العبور من أراضيها إلى الاتحاد الأوروبي.
وسيكون لنجاح مهمة أردوغان في هذا المضمار أثر أكبر من أي أثر تتركه حملات انتخابية ومهرجانات خطابية، وسيعتبر مكسبا كهذا انتصار حقيقي للنظام التركي في الاستفتاء المزمع تنظيمه في 16 أبريل المقبل. وفي مخططات حزب العدالة والتنمية استغلال ذلك النجاح المفترض في الحشد والدعاية لأردوغان والتهليل بإنجازه في وسائل الإعلام التي يبسط على معظمها النظام يده.
وعلى الرغم من اعتراف المسؤول الأوروبي بأن تركيا تسيطر بشكل جيد على حدودها مع أوروبا فإن تقريرا دوريا تعتزم المفوضية الأوروبية نشره الأسبوع المقبل يقول إن أنقرة مازالت تؤجل الإصلاحات الخاصة بتشريعات الإرهاب والتمويل الحزبي والتعاون القضائي. ولا تحظى التعديلات الدستورية المثيرة للجدل في تركيا بأي قبول لدى قادة الاتحاد الأوروبي والمنظمات الحقوقية هناك، ومن غير المستعبد أن دوائر اتخاذ القرار قد أوعزت لأجهزة الاتحاد الأوروبي بتعطيل اتخاذ خطوة إعفاء الأتراك من تأشيرات الدخول إلى أجل غير مسمى.
وفي ألمانيا البلد الأكثر تأثيرا بالاتحاد تواجه زيارة مرتقبة لأردوغان تهدف إلى الترويج للتعديل الدستوري، بعاصفة من الانتقادات قد تدفع المستشارة أنجيلا ميركل إلى توجيه طلب لأنقرة بإلغاء ذلك الاجتماع. ولمح المسؤول الأوروبي إلى امتعاض القادة الأوروبيين من التعديلات الدستورية في تركيا مؤكدا أن الاستفتاء “يمثل مشاكل في حد ذاته” لأن “مشروع الدستور به عيوب في غاية الخطورة”.
ويبدو أن حلم الأتراك في إعفائهم من التأشيرات سيبقى منحصرا في المشاحنات السياسية بين مسؤولي بلادهم ونظرائهم الأوروبيين، وأي خطوة غير منتظرة كالتنصل من اتفاق الهجرة بين الطرفين سيجهز على هذا الحلم نهائيا. ومن غير المستبعد أن يتنصل الرئيس التركي من اتفاق الهجرة المثير للجدل خاصة وأنه توعد ووضع الأوربيين في معادلة “تحرير التأشيرات أو مواجهة سيل المهاجرين”.
وتتساءل أوساط إعلامية عن مدى تأثير امتناع الأوروبيين على إعفاء الأتراك من التأشيرة في حظوظ انتصار حملة العدالة والتنمية لتعديل الدستور، خاصة وأن المعارضة التركية باستثناء جزء من القوميين بدأت بالحشد فعلا ضد تلك التعديلات على الرغم من تجفيف منابعهم الإعلامية ورمي زعماء من المعارضة في السجون. ويخوض الرئيس التركي حملة تطهير غير مسبوقة تمس كل الأجهزة في البلاد بدءا من قطاعات التعليم فالصحة والجيش والأمن والقضاء وغيره، منذ إحباط محاولة الانقلاب في يوليو الماضي. وتؤكد المعارضة التركية إن أردوغان يرمي من وراء حملة الاعتقالات المكثفة التي طالت الساحة السياسية والحقوقية في البلاد لإسكات كل نفس معارض لتعديلاته المنتظرة، تدعمه في ذلك ترسانة إعلامية قوية لا مكان فيها لأصوات المعارضين.
العرب اللندنية