كان الطريق صعباً للغاية، لم يكن أمامنا سوى خيار واحد وهو تحمل الظروف القاسية أملاً بالوصول إلى النرويج التي فضّلنا الاستقرار فيها على الدول الأخرى التي شهدت تقدم أعداد كبيرة من اللاجئين طالبين اللجوء فيها عام 2015.
البعض من المحيطين بي استغرب اختياري للنرويج إلا أنه مع الوقت لاحظوا أن ظروفي المعيشية بدأت تتحسن وتميل نحو الاستقرار بالتزامن مع تعلمي وعائلتي اللغة النرويجية وبدء اندماجنا بالمجتمع النرويجي.
يتحدث ناصر، وهو لاجئ سوري مقيم في النرويج منذ ثلاث سنوات مع عائلته عن ظروف معيشته ويكمل: “اعمل حالياً كموظف توصيل طلبات لدى شركة غذائيةوبدوام جزئي أما أبنائي الثلاثة فيتعلمون اللغة النرويجية بينما ابني الكبير يحترف كرة القدم بإحدى الأندية النرويجية”.
ويضيف، أن تعامل النرويجيين معنا كلاجئين جيد للغاية فعلى مدار السنوات التي قضيناها بالبلاد لم يشعرونا للحظة أننا غير مرغوب بنا بالبلاد.
اطلعنا ناصر على بعض المقاطع المصورة والصور له ولأولاده وكيف يشارك النرويجيون الاحتفال بمناسباتهم مثل أعياد الميلاد وحفلات التخرج الدراسية وغيرها.
كم عددهم؟
يعتبر اللاجئون السوريون بالنرويج من أبرز الجنسيات المسجلة بقوائم اللاجئين في البلاد، ففي عام 2016 وصل عددهم إلى 27600 لاجئاً سورياً، وفق أرقام مكتب الإحصائيات النرويجي الذي أكد أن 4% من سكان النرويج هم لاجئون.
ويفضل غالبيتهم الإقامة قرب العاصمة أوسلو كونها منطقة دافئة مقارنة بباقي مناطق النرويج، أما شمال النرويج فالمعيشة جداً قاسية بسبب صعوبة الطقس وفق، أبو علي أحد السوريين المقيمين بالنرويج.
وتحدث الشاب عن رحلته نحو النرويج، حيث يقول: “كنت مقيم بتركيا وفي عام 2015 قررت المضي برحلة اللجوء لانتقل إلى اليونان ومن ثم إلى مقدونيا وبعدها إلى صربيا ثم هنغاريا حتى وصلنا النمسا واستغرقت هذه الرحلة قرابة الشهر حينها”.
ويضيف، لم نمكث بالنمسا سوى يومين وانتقلنا بعد ذلك إلى ألمانيا ومن ثم سافرنا نحو السويد، ومن هناك حجزنا تذكرة قطار نحو النرويج لنصل الحدود بعد قرابة شهرين من السفر المتواصل.
وسلم أبو علي ومن معه أنفسهم للشرطة النرويجية التي بدأت باتخاذ الإجراءات اللازمة من أخذ بصماتهم وتصويرهم وإجراء التحاليل الطبية لهم ولذويهم ومن ثم نقلوهم لمراكز إقامة مؤقتة ليستقروا بعد إجراء المقابلات معهم ونيل الإقامة المؤقتة.
وتعتبر النرويج من أكثر البلدان سلمية بالعالم كما أنها من الدول المتقدمة في مجال التنمية الاقتصادية وهي من الدول القليلة الكثافة السكانية فعدد سكانها البالغ قرابة خمسة ملايين نسمة قليل مقارنة بمساحتها البالغة نحو 385 كم2.
لماذا النرويج؟
على خلاف سياسة اللجوء التي تتبعها باقي الدول الأوروبية مع اللاجئين السوريين وطريقة تعاملهم والإجراءات المتخذة بحقهم وتعقيداتها في غالب الأحيان، يبدو أن النرويج كانت من بين أفضل الخيارات بعيون السوريين.
ويرى لاجئون بالنرويج أن ما يميزها عن غير بلدان أوروبية تسهيل الإجراءات مثل نيل الإقامة المؤقتة ومعاملات لمّ الشمل وبرامج الاندماج الفعلية بالإضافة لعدم تعميم خطاب الكراهية ضد اللاجئين مثلما حصل في الكثير من الدول الأخرى.
ويقول ناصر، إن “الحصول على الإقامة المؤقتة لمدة ثلاث سنوات تطلبت مني اجتياز مقابلة للاطلاععلى سبب قدومي للنرويج والتهديدات التي تعرضت لهاوامتدت لسبع ساعات متواصلة مع وجود مترجم، وما إن نلت الإقامة المؤقتة حتى بدأت بإجراءات لم الشمل التي استغرقت قرابة السنة لينتقل بقية أفراد عائلتي إلى النرويج”.
ويؤكد، صحيح أن الظروف المناخية قاسية هنا ولكني اعتبرها أفضل خيار للاجئين والمهاجرين، فنظام السكن المتوفر جيد للغاية والاهتمام بنا يصل إلى الاحتفاء بمناسباتنا الشخصية من قبل النرويجيين الذين يسعون لفتح قنوات تواصل معنا، منذ أسبوع قدموا لنا مبالغ مالية من أجل ترفيه أبنائنا كأخذهم لدور السينما والملاهي.
ورغم ما تمر به النرويج حالياً من أزمة اقتصادية مؤخراً، حيث ارتفع معدل البطالة إلى 10،4% وهو أعلى مستوى منذ الحرب العالمية الثانية مع تسجيل 400 ألف عاطل عن العمل وفق وسائل إعلام نرويجية، إلا أن هذه الأرقام لا تقلق اللاجئين كثيراً بالبلاد.
وتحتضن النرويج خليطاً من اللاجئين ولكن أكثر نسبة منهم هم من السوريين والعراقيين والصوماليين والأتراك، بينما يُعامل السوريون معاملة خاصة عند طلبات اللجوء.
نحو إعادة التوطين
يحق للسوريين بالنرويج أن يشاركوا بانتخابات البلدية ويحضروا الجلسات والاجتماعات الرسمية وهذا محصور بكل من تجاوزت إقامته الأربع سنوات بالبلاد.
وخلال التواصل مع عدد من اللاجئين بالنرويج لاحظنا تفضيلهم للإقامة الدائمة بالبلاد مع سعيهم لنيل الجنسية النرويجية التي تمر بعدة مراحل.
ويبدو أنهم متجهون نحو ذلك حيث يكمل أبو علي قائلاً: “بعد انتهاء الإقامة المؤقتة لثلاث سنوات سيتم تمديدها لسنتين إضافيتين وفي حال كنا قد اجتزنا امتحان الاجتماعيات وهو امتحان يتضمن معلومات عن النرويج بشكل عام بالإضافة لاجتياز مستوى معين من اللغة يمكننا التقدم لنيل الإقامة الدائمة”.
ويتابع، أما بالنسبة لشروط نيل الجنسية النرويجية للاجئين فتشترط أيضاً اجتياز امتحانات اللغة والاجتماعيات بالإضافة لتوفر الإقامة الدائمة ومعظم من أعرفهم هنا من السوريين يسعون لتحقيق ذلك.
وفي سؤال أخير لمن تواصلنا معهم حول نيتهم العودة إلى سوريا من عدمها، أكدوا أن خيار العودة لا يفكرون به بالوقت الحالي ولكن من الممكن ذلك إن تحسنت الأوضاع وزال نظام الأسد بالبلاد.
نقلا عن بروكار برس