أحد المُحددات الرئيسة لحسابات قيصر روسيا” فلاديمير بوتين” في النزاع السوري، هي استثمارات بلاده في سوريا، خصوصاً في مجال النفط والغاز الطبيعي، وهي المسألة التي تعاظمت أهميتها منذ شروع عدد من الدول المنافسة لمد خطوط غاز عبر الأراضي السورية؛ في محاولة لمنافسة هيمنة روسيا علي سوق الغاز الأوروبية.
توضح الخريطة الغازية في الشرق الأوسط، خصوصاً بعد الاكتشافات البحرية، بعض الأهداف الرئيسة للتدخل العسكري الروسي في سوريا، والمتمثلة خصوصاً في مساعي روسيا لقطع الأمل بإنشاء خط غاز بين قطر وأوروبا، وكذلك رغبتها في استمرار هيمنتها على تطوير حقول النفط في الأراضي الروسية.
روسيا، حصة سوريا تمنحها هيمنة على سوق الغاز الأوروبية
أحد أبرز هذه المشاريع التي كانت تهدد روسيا في الحفاظ على حصتها في سوق الغاز الأوروبية، والتي تصل نسبتها 30 % ، هو المقترح القطري بإنشاء خط أنابيب قطري يمرّ عبر الأراضي السورية، مروراً بالسعودية والأردن وصولاً إلى تركيا، ومن هناك إلى أوروبا؛ وكلك مشروع مد خط أنابيب من إيران مروراً بالعراق وصولاً إلى سورية، ومن هناك إلى بلدان أخرى .
حيث إن أحد الأسباب التي انتهت بمشروع خط الأنابيب القطري – التركي بالفشل، رفض الرئيس السوري بشار الأسد مروره على الأراضي السورية بهدف حماية مصالح حليفته، روسيا، في الإبقاء على موقعها المسيطر في أوروبا.
شركة «غازبروم»، شركة الغاز الروسية مُحتكرة تصدير الغاز
وتمتلك الشركة شركات فرعية تعمل في العديد من المجالات الصناعية، بما في ذلك التمويل والإعلام والطيران، وبالإضافة إلى ذلك، فإنها تسيطر على أغلبية الحصص في العديد من الشركات.
وتُحتكر الشركة تصدير الغاز إلي سوريا، بجانب حجم أنشطتها الكُبري داخل الأراضي السورية، وهي المسألة التي تُمثل أحد الفوائد الاستراتيجية للاقتصاد الروسي الذي تُعد سوريا من كبري الدول التي تستفيد منه .
وكذلك كانت تباين موقفي روسيا وتركيا حيال الازمة السورية، عاملاً في تراجع المجموعة الروسية “غازبروم” عن تنفيذ مشروعها توركستريم بتوصيل أنابيب الغاز باتجاه تركيا، والتي كان يفترض أن تحل محل أوكرانيا لنقل الغاز إلى أوروبا، وذلك على خلفية التوتر الشديد بين موسكو وأنقرة، وغياب اتفاق بين أنقرة وموسكو حول بنود العقد، خصوصاً مع تصاعد التوتر بين البلدين بإدانة تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي لانتهاك طائرات روسية لمجالها الجوي.
هذا التوتر بين البلدين على خلفية الأزمة السورية، جعل تركيا تسعى إلى الإسراع في تنفيذ مشروع الغاز “تاناب” الهادف لنقل الغاز الأذربيجاني إلى تركيا، ومنها إلى أوروبا، وذلك في محاولة أنقرة للحد من اعتمادها على الغاز الروسي.
مناقصات تنقيب الغاز الطبيعي في سوريا: روسيا المهيمن الأول
بتدخلها العسكري في سوريا، ثبتت روسيا سيطرتها على النفط السوري عبر عقد التنقيب بين الحكومة السورية وشركة النفط الروسية، والذي يضمن لروسيا 60% من النفط المستخرج، والذي كان ليسقط مع سقوط نظام الأسد.
تُعتبر روسيا الدولة الأكثر استحوذاً على الحقول النفطية للسوريا، حيث كانت المسئول الأول عن تطوير احتياطيات الغاز البرية في سورية على امتداد الأعوام الثلاثين الماضية، ماولّد كمية كافية من الغاز بحول العام 2010 لتلبية الاحتياجات الداخلية في توليد التيار الكهربائي، وهو ما ساعدها على إنشاء منظومة داخلية لتوزيع الغاز، بحيث تصبح المنازل أقل اعتماداً على المازوت والبوتاغاز في الطهو والتدفئة.
كذلك بنت شركات روسية مصانع وخطوط أنابيب لقطاع الغاز السوري، وجرى تمويل بعضها عن طريق المقايضات، في إطار قيام روسيا بشطب نحو 12 مليار دولار من الديون السورية في العام 2005
في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أجرت الحكومة السورية عمليات مسح سيزمي لمياهها الإقليمية لاستكشاف كميات النفط والغاز التي يمكن أن تكون موجودة فيها، وقد ازداد الاهتمام بالإمكانات التي تتمتع بها المياه الإقليمية السورية بعد اكتشاف كميات كبيرة من الغاز في المياه الإقليمية الإسرائيلية وقبالة الساحل القبرصي.
في 29 أيلول/سبتمبر 2015، بعد طرح سوريا مناقصتَين للتنقيب عن الغاز في أربع مناطق في مياهها الإقليمية، حصلت شركة Soyuzneftegaz الروسية على امتياز للتنقيب في أحد المناطق الأربعة، كما حصلت على امتياز آخر في البر السوري (المنطقة 12)، كما أنها امتلكت لفترة وجيزة حصة 50 في المائة في المنطقة 26 التي تشغّلها شركة “غلف ساندز بتروليوم”.
ميناء طرطوس، القاعدة الروسية البحرية في سوريا
ونشأت قاعدة طرطوس بناء على اتفاق أبرم سنة 1971 في فترة كان فيها الأسطول السوفياتي يفتخر بأن لديه أسطولا في المتوسط، لكنه انتهى مع انهيار الاتحاد السوفياتي سنة 1991 بينما احتفظت موسكو بنقطة رسو في طرطوس. وهي تقع على مسافة 220 كلم شمال غرب دمشق، مجهزة بثكنات ومباني تخزين ومستودعات عائمة وباخرة صيانة وتشغل خمسين بحارا روسيا، بجانب استخدامها كأرضية أساسية للتجسس في الشرق الأوسط.
ساسة بوست