جيل الألفية… الحَكَم الجديد
لا إعلام بلا جمهور، وفي عصر الإنترنت تغيرت أولويات جيل الألفية في ما يخص أذواقهم الإعلامية، إذ كشف تقرير من موقع reelseo لتطوير الفيديو في الإنترنت، صدر في إبريل/ نيسان من العام الماضي، أن شباب الجيل الحالي هم الأقل مشاهدة للتلفاز التقليدي، وأوضح أن الشباب الذين تراوح أعمارهم بين 13 و24 سنة يستهلكون المحتوى المشاهد من الإنترنت، خصوصاً من “يوتيوب”، بمعدل 11 ساعة في الأسبوع، بنسبة 96 في المائة من مجموع محتوى الفيديو المشاهَد.
ولفت التقرير الانتباه إلى أن 6 من 10 مشاهير الأكثر تأثيراً في الفئة العمرية 13-18 هم من نجوم “يوتيوب” أساساً، وأن 59 في المائة منهم متأثرون بنجوم “يوتيوب”، مقابل 32 في المائة فقط متأثرون بنجوم من الإعلام التقليدي.
الإعلانات… الحرب الحقيقية والحاسمة
وأضاف تقرير “ريل سيو” أن 63 في المائة من جيل الألفية الجديدة ينزعجون من التلفزيون المليء بالفواصل الإعلانية، مقابل 41 في المائة فقط ينزعجون من ذلك على الإنترنت، ويأتي هذا فيما أعلنت “غوغل” في الفترة نفسها من العام الماضي أن الإعلانات على المنصات التابعة لها صارت أكثر تأثيراً من التلفزيون التقليدي، الأمر الذي أزعج كبريات القنوات وفتح
باب النقاش حول المنافسة بين الإعلامين التقليدي والجديد على سوق الإعلانات.
إذ وفق ما نقله موقع “ذا نيكست ويب” التقني، فإن المتحدث باسم مؤسسة “ثانك بوكس”، وهي اتحاد إعلاني يضم القنوات البريطانية الكبرى، وهي “سكاي” و”أي تي في” و”تشانيل 4″، عارض ما جاءت به “غوغل” قائلاً إنّ “الإعلانات على التلفزيون تصنع علامةً واسماً أقوى وأكثر جاذبية من الإنترنت، وأن المعلنين يفضلون وضع إعلاناتهم بجانب محتوى بجودة عالية على ربطه بفيديوهات سيئة السمعة على الإنترنت”.
وفي سياق حرب الإعلانات، يظهر نموذجان أكثر انسجاماً مع مقاييس الألفية وأكثر استدامة في المستقبل، وهما الاشتراك والإعلانات الأصلية. إذ وفق تقرير “بي آي إنتيليجنس”، ورغم أن الأمر يبدو غريباً، فإنه يؤكد أن المستقبل هو للمنتجات المدفوعة وليس المجانية، عكس الاعتقاد السائد بأن الجمهور لن يكون مستعداً للدفع مقابل المحتوى الإعلامي مستقبلاً.
وقال التقرير إن خدمة الفيديو المدفوع عبر الإنترنت مثلاً قد ارتفعت أرباحها سنة 2015 إلى 4.8 مليارات دولار، على أن تقفز إلى 11.5 مليار دولار سنة 2019. كما تنبأ التقرير بسيطرة الإعلانات الأصلية native advertising على مستقبل الإعلام، وهي تلك الإعلانات المصممة وفق سياق المادة الإعلامية نفسها، ويسيطر على هذا النوع من الإعلانات موقع “غوغل”، يليه، لكن بأشواط، موقع “فيسبوك”، ثم “تويتر” و”ياهو” و”آي أو إل”.
التلفزيون سيشعر قريباً بألم الصحف
وفق التقرير ذاته، واصل عدد المشتركين في التلفزيون التقليدي تراجعه مقابل ارتفاع عدد المشتركين بخدمات الإنترنت، كما انخفضت معدلات المشاهدة بشكل سريع، خصوصاً بعد سنة 2011، مقابل تنامٍ متسارعٍ لعدد المشتركين في خدمة “نيتفليكس” مثلاً. وأشار التقرير إلى أن “نيتفليكس” تعتبر الشبكة الأكثر مشاهدة في الولايات المتحدة، برقم مشاهدات يتجاوز ضعف عددها في الشبكات الأخرى مثل “سي بي إس” مثلاً.
مالياً… الإنترنت لم يسقط التلفزيون عن عرشه
صحيح أن التلفزيون التقليدي يتلقى الضربات المتتالية، لكن ذلك لا يحدث إلا على مستوى صيغة العرض، إذ وفي وقت يسود الاعتقاد بأن الإنترنت جاء لتشكيل كيانات صغيرة جداً، وفي وقت كانت القوة متركزة في يد مؤسسات إعلامية مثل و”ورنر بروس” و”نيوز كورب”، سوف تذهب هذه القوة إلى مؤسسات عددها أقل وبحجم أكبر، وفق تقرير “بي آي إنتيليجنس”.
كما نشر موقع “فورتشن” تحليلاً حول أرباح المؤسسات التلفزيونية جاء فيه أن المديرين التنفيذيين للشبكات التلفزيونية الكبرى في الولايات المتحدة متفقون على أن الصناعات التلفزيونية تواصل نموّها. وأشار الموقع إلى أن الشركات الترفيهية قد حققت نمواً أكبر في الأرباح. وأوضح أحد المنتجين في شبكة HBO، أليك بيرغ، أن ما اختلف هو الطريقة التي باتت هذه المؤسسات تجني بها هذه الأرباح. وقال بيرغ “كانت المؤسسات تربح أكواماً ضخمة قليلة من الأموال، لكنها الآن صارت تربح أكواماً أقل إنما بعدد أكبر، بحيث إن المبلغ الإجمالي من الأرباح صار أكبر بكثير”.
وتتوقع القنوات التلفزيونية أن تزداد أرباحها من الإعلانات لتصل إلى 81.7 مليار دولار أميركي بحلول 2020. وإلى جانب الإعلانات هناك مصادر عدة لجني الأرباح بالنسبة لهذه المؤسسات، على رأسها بيع الحقوق. فصحيح أن منصات مثل “نيتفليكس” باتت تنتج أعمالها التلفزيونية الخاصة، لكنها لا تزال المشتري الأكبر لحقوق بث البرامج التلفزيونية من هذه الشبكات. كما أنها تجني أموالاً أكثر بالاعتماد على تصدير منتجاتها على الصعيد العالمي، ما يحقق لها مداخيل ضخمة.
يفقد التلفزيون بصيغته التقليدية مشاهديه بصفة متواصلة لصالح المنصات الرقمية، كما أن الجدل يحتدم في ما يخص إبقاء الإعلانات في التلفزيون أو نقلها إلى الإنترنت، إلا أن ذلك لا يعني أبداً أن التلفزيونات هي في طريقها للخسارة المالية، بل إنها تتجه إلى التحوّل إلى شركات إنتاج محتوى تعتمد فيه على بيع المحتوى والحقوق لمنصات إلكترونية، إضافة إلى أرباح الاشتراكات والإعلانات الأصلية، فيما تستمر هذه المؤسسات في التوحّد ضمن كيانات أقوى تجعل تأثيرها أكبر.
العربي الجديد