إعلانها، أمس، عن اجتماع “متعدد الأطراف“، دعا الوزير كيري إلى عقدهالسبت في لوزان بسويسرا، ليس سوى استئناف للحوار الثنائي بين الكبيرين.
تغليفه بحضور آخرين من الدول “المؤثرة في الأزمة السورية” لا يعدو كونهعملية إخراج لتمويه طابعه الثنائي، وحجب تراجع واشنطن عن تعليقه.
ولم يكن من غير مغزى أن تسارع موسكو إلى الإعلان عن موافقتها على الحضور. وكأن الدعوة جرت بالتنسيقمعها. بقية المدعوين لم تفصح وزارة الخارجية عنهم. وتردد أن المجموعة تشمل السعودية، وقطر، وتركيا،وربما إيران، كما لم تفصح عن مواقفهم من الدعوة. “اسألوهم “، قال الناطق باسم الخارجية، مع أنه لم يذكرهمبالاسم. لكنه توقع حضور “غالبيتهم“. إبهام غير مألوف.
عادة في مثل هذه الحالات تعلن الخارجية عن قائمة المدعوين. تكتمها هذه المرة يشي، على ما يبدو، بوجودعقبات من نوع حصول اعتراضات و“فيتوات” على بعض المشاركين، كما حصل في جنيف الأولى، حين كانتهناك ممانعة لحضور إيران.
وربما يتكرر الاعتراض نفسه الآن، مما حمل واشنطن على عدم كشف الأسماء. والأرجح أن طهران مدعوة.الناطق الرسمي لم يؤكد، لكنه لم ينف صراحة. اكتفى بعبارة أن اللقاء سيكون “متعدد الأطراف“، بل ثمةترجيح بأن مثل هذه الدعوة، في حال حصولها، لا بد أن تكون قد جرت بطلب روسي.
في كل حال، يبقى موضوع المشاركة مسألة جانبية مقارنة بمعرفة السبب الذي حمل كيري على ترتيب هذاالاجتماع، خاصة أنه ليس لديه أي جديد سوى السعي لوقف النار، ومحاولة “التوصل إلى صياغة إطار أفضلله“، حسب ما قال أمس الناطق الرسمي في الخارجية! جواب ضبابي يثير الشكوك والريبة.
ويزداد الغموض، ومعه الارتياب، حين تبرر الخارجية هذا التحرك بأنه مبني على “الأمل بأن تأتي موسكو بشيءما” إلى الاجتماع، وكأن مثل هذه المراهنة لم تحصد خيبات متلاحقة.
وفي ضوء الواقع الميداني المعروف، والتشبث الروسي به، كما في ضوء التشديدالأميركي على مركزية وقف النار، لا يستبعد أن يكون المطروح مشروع انسحابللمقاتلين، على غرار ما جرى في حمص، يعقبه دخول قوات النظام السوري إلى القسمالشرقي من المدينة. بذلك تحصد موسكو مرادها، وفي الوقت ذاته، يكون بإمكانواشنطن الزعم بأن سعيها نجح في إنقاذ ربع مليون حلبي. الواضح أن شروحات الخارجية ليست سوى ضباب لحجب تراجع أميركي جديد أمامإصرار موسكو على ترجمة خطتها في حلب. فبعد التلويح لموسكو بتهمة “جرائمالحرب“، وبعد التهويل بـ“خيارات” وبدائل عرضت احتمالاتها لجنة رؤساء وكالاتالاستخبارات في اجتماعها الأسبوع الماضي، انتهت الإدارة إلى قرار العودة إلى“الدويخة” الدبلوماسية ذاتها التي يمسك الكرملين بمفتاحها، والتي لم تثمر غيرالفشل المرة تلو المرة، إلا إذا كانت إدارة أوباما قد حسمت، هذه المرة، وقررتالتحرك لصياغة مخرج للشروط الروسية، وبما يحفظ ماء الوجه.
في مثل هذا الترتيب يكون الاجتماع “المتعدد الأطراف” قد جرى توظيفه كغطاء لهذا المخرج، الذي يحققالمطلوب لموسكو، ويحفظ ماء الوجه لواشنطن، من خلال تنويهها بفعالية دبلوماسيتها.
لكن ترجمة هذا الاحتمال دونها صعوبات هائلة، داخلية وإقليمية. ففي سورية، وحلب بالتحديد، لا قرار لغيرالواقع على الأرض. وهذا القرار معقد ومتداخل، وتتحكم به حسابات كبيرة وعنيدة.
من جهتها، تبدو إدارة أوباما، عشية رحيلها، مهتمة بكسب رهانها على خيار الحوار الذي اعتمدته منذ البدايةفي سورية بخاصة، وإثبات أنه أعطى نتائجه، وأنهى حصار مدينة. المهم ألا “تتورط“. وعلى الرئيس القادم أنيدبّر نفسه في موضوع سورية.
العربي الجديد