أجرى وزيرا الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف في لوزان محادثات مباشرة أمس للمرة الأولى منذ أن أوقفت واشنطن جهودها الثنائية مع موسكو لإحلال السلام في سورية، وذلك قبل بدء الاجتماع الدولي – الإقليمي من دون مشاركة ممثلي الحكومة والمعارضة في سورية، على أن تستضيف لندن اليوم اجتماعاً آخر تشارك فيه دول «أصدقاء سورية» بينها بريطانيا وفرنسا اللتان غابتا عن لوزان.
وعلى رغم استمرار الاتصالات الهاتفية بينهما، فإنها المرة الأولى التي يلتقي فيها كيري ولافروف منذ أواخر أيلول (سبتمبر). والتقى الوزيران في فندق في مدينة لوزان قبل أن يشاركا في اجتماع أوسع مع أطراف إقليمية بهدف إعادة إطلاق الجهود الدولية لإنهاء الحرب في سورية، بحسب مسؤولين. واستهدف الاجتماع الذي شاركت فيه أيضاً مصر والأردن والعراق والسعودية وقطر وإيران وتركيا علاوة على المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، إلى التوصل إلى هدنة لكن الآمال ضعيفة بتحقيق اختراق بإقرار المشاركين في الاجتماع بالتزامن مع أجواء من التوتر الكبير بين روسيا والغربيين الذين يتهمون موسكو «بجرائم حرب» في الأحياء الشرقية التي تسيطر عليها فصائل المعارضة في مدينة حلب حيث تواصل الطائرات الروسية والسورية قصف هذه الأحياء منذ 22 أيلول.
وجاء هذا الاجتماع بينما تحدث عدد من الديبلوماسيين والخبراء عن احتمال استعادة نظام الرئيس بشار الأسد ثاني مدن سورية، ما سيشكل انتصاراً رمزياً واستراتيجياً حاسماً له منذ بدء النزاع في 2011. ولم تدع الدول الغربية، لا سيما فرنسا وبريطانيا اللتان تبنتا مؤخراً موقفاً متشدداً حيال موسكو.
وصرح مسؤول أميركي، قبل الاجتماع، أنه لم يهدف إلى تحقيق نتيجة فورية بل إلى دراسة أفكار للتوصل إلى وقف الأعمال القتالية. وأضاف المسؤول الذي طلب عدم كشف هويته أن الولايات المتحدة التي لم تعد تريد بحث القضية السورية في لقاءات على انفراد مع موسكو، ترغب في حضور دول المنطقة «الأكثر تأثيراً على الوقائع على الأرض» إلى طاولة المفاوضات. وتابع: «لا أتوقع إعلاناً مهماً في ختام هذا اللقاء وستكون العملية بالغة الصعوبة». من جهته، قال لافروف: «لا أتوقع شيئاً محدداً من هذا الاجتماع». أما مكتب كيري، فقد أعلن أن «الموضوع الرئيسي للاجتماع سيكون الوحشية المتواصلة في حصار حلب».
وذكرت مصادر عدة أن اجتماع لوزان كان مقرراً أن يبحث خطة اقترحها مؤخراً دي ميستورا، وتهدف إلى تأمين خروج آمن لعناصر «تنظيم فتح الشام» (جبهة النصرة سابقاً الفرع السوري لتنظيم القاعدة). وقال مصدر ديبلوماسي فرنسي إن «الشيطان يكمن في تفاصيل هذه الخطة». وأضاف: «سيتم إجلاء من؟ هل هم عناصر النصرة فقط أم سيكون الأمر نوعاً من الإجلاء القسري لكل سكان شرق حلب؟». وتابع: «بحسب التقديرات التي أقر بها الروس، لا يتجاوز عدد عناصر النصرة الألف شخص. الروس يعترفون بذلك بأنهم يقصفون سكاناً مدنيين عددهم 260 ألف نسمة من أجل 900 شخص».
دعم هندي لروسيا
وأعلنت الهند دعمها لجهود روسيا للتوصل إلى تسوية للنزاع في سورية، بحسب ما جاء في بيان لزعيمي الدولتين الحليفتين تقليدياً في أعقاب محادثاتهما السنوية. وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إثر محادثات أجريت في مدينة غاو السياحية الهندية أنهما «يدينان الإرهاب بجميع أشكاله». وجاء في البيان المشترك أن «الجانبين مقتنعان بأن النزاع في سورية يجب حله سلمياً من خلال حوار يشمل جميع الأطراف السوريين (…) وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة». وأضاف أن «الجانبين أكدا ضرورة تعزيز وقف الأعمال القتالية وإيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة». وتابع أن «الهند تقر بجهود الجانب الروسي لتحقيق تسوية سياسية عبر التفاوض للوضع في سورية».
وكان الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ذكر الجمعة بـ»مطالب» باريس من أجل التوصل إلى تسوية للنزاع في سورية. وقال هولاند في بيان صادر عن قصر الإليزيه، في ختام لقاء بينه وبين جمعيات تنشط من أجل السلام في سورية، إن هذه المطالب هي «وقف إطلاق نار، ونقل المساعدة الإنسانية فوراً وإجراء مفاوضات سياسية من أجل عملية انتقال في سورية».
وأضاف: «هذا هو السبيل الوحيد لإرساء الاستقرار في هذا البلد الشهيد واستئصال التهديد الإرهابي في شكل دائم». وتابع: «في المقابل، إن البحث عن حل عسكري لمصلحة (الرئيس السوري) بشار الأسد لا يزال يزيد من حدة الاستقطاب ويغذي التطرف في سورية والمنطقة»، في إشارة إلى الغارات الروسية المساندة للجيش السوري.
وصرح وزير الخارجية جان مارك إرولت للصحافة في ختام اللقاء: «ندعو مرة جديدة وبقوة إلى التفاوض السياسي من أجل السلام، وهذا يمر عبر شرط مسبق، وهذا الشرط المسبق هو وقف القصف». وتابع: «سيتم اتخاذ الكثير من المبادرات الأخرى، فرنسا سبق أن قامت بمبادرات في الأيام الماضية، وسنبقى في الخط الأمامي بالحزم ذاته، بالقوة ذاتها، بالقناعة ذاتها، من أجل التصدي للوحشية. لم يفت الأوان لإحلال السلام».
المعارضة
وانتقدت المعارضة السورية عدم دعوتها إلى اجتماع لوزان، محملة الروس والأميركيين مسؤولية تدهور الوضع في سورية. وقال عبد الأحد أسطيفو نائب رئيس «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة» أبرز ممثلي المعارضة السياسية، لوكالة فرانس برس عبر الهاتف أن «تغييب السوريين عن الاجتماعات التحضيرية هو إحدى الإشكاليات التي تتسبب بزيادة التعقيد وخلط الأوراق. ما الذي يمكن أن ينتج من هذه المحادثات الجديدة بينما تجري واشنطن وموسكو مناقشات منذ سنة ونظمتا عشرات الاجتماعات وأبرمتا اتفاقين لوقف إطلاق النار لم يصمدا أكثر من أيام؟».
ووجه رئيس «الائتلاف» أنس العبدة رسالة إلى «وزراء الدول الصديقة للشعب السوري المشاركين في اجتماع مدينة لوزان السويسرية، أكد فيها ضرورة الوقف الفوري للقتل في سورية وعلى الأخص في حلب، إضافة إلى عدم الاعتراف بالهدن المحلية التي أصبحت أساساً لعمليات التهجير القسري والتغيير الديموغرافي»، بحسب بيان.
وطالب العبدة بـ «رفع الحصار عن المدن والبلدات المحاصرة وإدخال المساعدات الإنسانية إلى المحاصرين»، داعياً إلى «سحب جميع المليشيات الطائفية وبخاصة الحشد الشعبي وميليشيا حزب الله من جميع الأراضي السورية».
كما وجه «الائتلاف الوطني» رسائل لـ 27 دولة ومنظمة دولية من بينها الصين وأستراليا ونيوزلندا والإمارات العربية المتحدة «أصرَّ فيها على الدعوة لوقف القتل في سورية من خلال آليات جديدة خارج مجلس الأمن تحت بند الاتحاد من أجل السلام».
الحياة