في قلب ما يعرف الآن بسوريا التي مزقتها الحرب، عشت حياة مليئة بالمناقشات الغنية والتحديات المجزية لأستاذ جامعي في الهندسة الغذائية. محاطًا بوجوه الطلاب المتلهفة، كانت أيامي مخصصة للتعليم والتعلم. لكن مع دخول الحرب الأهلية إلى حياتنا، حولت كل شيء من حولنا إلى مسرح لمأساة لم تترك أحدًا دون أن يمسها.
كانت الحرب عشوائية – فقد تحول بيتي والجامعة التي قضيت فيها سنوات في بناء مسيرتي المهنية إلى أنقاض. لقد استهلك الصراع الأحلام والإنجازات التي كنت أعزها. وسط الأنقاض، واجهت حقيقة مؤلمة: كل ما عملت بجد لبنائه ضاع الآن بسبب نزوات الحرب.
كانت مواجهة هذا الواقع الجديد أمرًا صعبًا للغاية، خاصة بعد أن أمضيت أكثر من عقد من الزمن في السعي ليس فقط لتطوير معرفتي الخاصة، ولكن أيضًا للمساهمة في المجال الأوسع لعلوم الأغذية. خلال هذا الوقت، وجدت العزاء في الإبداع. عندما لم تكن الكهرباء والإنترنت متاحة، وكانت الضروريات الأساسية نادرة، أخذت على عاتقي تعلم العزف على الجيتار والتعمق في فن تأليف شعر الهايكو. لم تكن هذه الأنشطة مجرد هوايات؛ لقد كانت بمثابة قنوات حاسمة للإبداع، حيث وفرت الوضوح الذي أثار أفكارًا جديدة ومسارات محتملة للمضي قدمًا.
وعندما أصبح من الواضح أن الحرب لن تنتهي بسرعة، أدركت أنه يتعين علي إجراء تغيير كبير من أجل مستقبل عائلتي. حلمت بحياة جديدة حيث يمكن لأطفالي أن يكبروا دون خوف وبفرص وفيرة. لقد تواصلت مع الجامعات ووكالات التمويل حول العالم، على أمل العثور على طريقة لمواصلة بحثي الأكاديمي. لسوء الحظ، كانت هناك ردود قليلة. وبدا الكثيرون منهمكين بسبب أزمة اللاجئين، ومترددين في استقبال المزيد من الأشخاص.
في هذه الأوقات العصيبة، أشرقت منارة الأمل من معهد التعليم الدولي (IIE). وقد عرض علي المعهد منحة دراسية لمواصلة بحثي، ورحبت بي جامعة ساسكاتشوان في كندا في مجتمعها كأستاذ زائر. كان الانتقال إلى كندا يعني ترك كل شيء مألوف وراءك، ولكنه كان أيضًا فرصة لإعادة تعريف نفسي وما يمكنني المساهمة به للعالم. لقد شكل الوصول إلى كندا تحديات كبيرة. كان الانتقال إلى دور جديد كباحثة مع التمسك بخلفيتي كأستاذ جامعي أمرًا شاقًّا للغاية. إن ما كان ذات يوم مصدر فخر لي، أي أوراق اعتمادي، أصبح الآن غير كاف.
مع مرور كل يوم، بدا أن التطلع إلى تنشيط مسيرتي الأكاديمية أصبح بعيد المنال، مما جعلني أواجه احتمالًا مخيفًا للبدء من جديد. لقد دفعتني هذه الرحلة إلى أقصى حدودي، ولكنها كشفت أيضًا عن الطريق نحو الظهور كقائد مرن وقادر على التحول.
في هذا الفصل الجديد، احتضنت الضعف والشجاعة، وشحذت قدرتي على التواصل مع الآخرين بشكل تعاطفي واستراتيجي. لم تساعدني هذه المهارات على التكيف مع المسار الوظيفي الجديد فحسب؛ لقد كانت ضرورية في بناء العلاقات التعاونية التي كانت أساسية للنمو المتبادل.
انتقلت بعد ذلك من دور كباحث يشرف على مشاريعي الخاصة إلى دور يركز على تطوير الأعمال وإدارة الأبحاث لكلية بأكملها في الجامعة. لقد سهّل هذا الدور الجديد توسيع شبكتي المهنية ومكنني من تحقيق النتائج المؤثرة التي طالما سعيت لتحقيقها.
علمتني هذه الرحلة من سوريا إلى كندا أن القيادة لا تتعلق بالألقاب أو الظروف، بل تتعلق بالقدرة على مواجهة التحديات بشجاعة وإلهام الآخرين على طول الطريق. يتعلق الأمر بكونك منارة للأمل والمرونة، وتوجيه الآخرين خلال عواصفهم بيد ثابتة وقلب رحيم. بالتفكير في رحلتي، أدركت أن التغلب على الشدائد يتطلب بناء كفاءات قيادية غير عادية تعتمد على المرونة والتحمل والرعاية والقبول.
وإليك كيف تساعدنا هذه الكفاءات: * المرونة: نحتاج في الحياة إلى الصلابة الذهنية والقدرة على التكيف والقدرة على التعافي من الشدائد. و لبناء المرونة، نحتاج إلى التركيز على التأمل الذاتي من أجل تحديد لحظات النجاح والاستفادة منها. نحن بحاجة إلى تحديد التطلعات الشخصية وقياس التقدم الذي نحرزه وفقًا لمعاييرنا الخاصة، وليس معايير الآخرين. مثل هذا التفكير يعزز وعينا الذاتي، ويساعدنا على اكتشاف استراتيجيات فعالة للتعافي. ومن خلال مراجعة التجارب السابقة، يمكننا بناء مجموعة أدوات شخصية تسلط الضوء على نقاط قوتنا ومواهبنا الفريدة.
* التحمل: للتعامل مع تحديات الحياة، نحتاج إلى مواصلة جهودنا والمثابرة مع مرور الوقت. على غرار ممارسة التمارين في صالة الألعاب الرياضية، فإن بناء القدرة على التحمل ينطوي على دفع أنفسنا تدريجيًا إلى ما هو أبعد من مناطق الراحة لدينا. يعمل هذا الامتداد المستمر على تطوير قدرتنا على التعامل مع التحديات الأطول والأكثر تعقيدًا بمرور الوقت.
* التنشئة: من الضروري إثراء أنفسنا بالمعرفة والتعاطف والرعاية الذاتية، خاصة خلال الأوقات الصعبة. تعتبر هذه الممارسات ضرورية للحفاظ على صحتنا وقدرتنا على التعافي من النكسات.
* القبول: عندما نختار كيفية التعامل مع أي تحديات، نحتاج إلى الاعتراف بالنتائج وقبولها، حتى عندما لا تكون كما توقعنا. ويتعين علينا أن نتخلى عن الارتباطات الصارمة بالنتائج المحددة سلفًا وأن ندرك أن المجهول قد يحمل فرصًا أفضل وإمكانيات جديدة.
لقد ألهمتني تجربتي الخاصة كعالمة نازحة وكشخصة نجت من الحرب وسرطان الثدي لبدء رحلة ريادة الأعمال كمدربة للقيادة. لقد قمت بتأسيس برنامج Grow Strong Coaching بهدف تمكين المتخصصين في العلوم من التغلب على العقبات في حياتهم المهنية.
وبعد أن شهدت النضالات التي تواجهها النساء، وخاصة من البلدان النامية، في السعي إلى التقدم الوظيفي، شعرت بأنني مضطر إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة. ولمعالجة هذه المشكلات، أقامت منظمة Grow Strong Coaching شراكة مع معهد التعليم الدولي لدعم العالمات النازحات. وتواجه العديد من هؤلاء النساء عقبات هائلة عند النزوح، مثل قضايا الاعتراف بالمؤهلات ومحدودية الفرص الوظيفية.
ومن خلال تعاوننا، سأزود هؤلاء العلماء الموهوبين بالموارد والتوجيه والتشجيع اللازم للتغلب على العوائق ومتابعة مساراتهم المهنية المرغوبة. وأعتقد اعتقادًا راسخًا أنه من خلال تسخير مهاراتهن ووجهات نظرهن الفريدة، فإن هؤلاء النساء لديهن القدرة على التأثير بشكل إيجابي ليس فقط على مجتمعاتهن ولكن أيضًا على العالم بأسره.
عن صحيفة University World News بقلم الدكتورة رنا مصطفى ترجمة مركز الصحافة الاجتماعية بتصرف 12 أيار (مايو) 2024