يشغل بالها أولئك الذين لم يحظوا بفرصة مثلها في الشمال السوري لمقاومة السرطان في الخارج، كونها أكثر من يعي أوجاعهم، و”هم كثر” تقول مدى ذات الـ41 عاماً، وقد بدأت رحلتها في مقارعة الخبيث حين اكتشفته مصادفة في عيادة نسائية.
الأم لأربعة أطفال كانت آنذاك برفقة صديقة لها في زيارة للعيادة، وقد دفعها الفضول لإجراء فحص من باب الاطمئنان، رغم عدم الشعور بأية أعراض مرضية، لتتفاجأ بأن لديها ورماً على المبيض الأيمن ويتوجب استئصاله بعملية جراحية.
رحلة العلاج بدأت في تركيا بعد إجراء الفحوصات اللازمة وتأكدها من وجود الورم السرطاني، لتستمر أكثر من أربعة سنوات، خضعت خلالها لعمل جراحي استؤصل فيه المبيض الأيمن، تلاه بعد مدة عمل جراحي آخر استأصلت خلاله الرحم بأكمله.
كل تلك العمليات لم تمنع المرض من الانتشار وظهور كتل سرطانية جديدة في الكبد والرئة والكلية والطحال، وأمام رفضها إجراء عملية نسبة نجاحها “ضئيل جداً”، بدأت مدى تلقي جرعات شعاعية علاجية في غازي عنتاب التركية بمعدل جرعة كل أسبوع ليتوقف على إثرها الورم السرطاني عند حد معين.
وتعتبر مدى نفسها “أكثر حظاً” كما تقول من مرضى كثيرين أمثالها لم يتمكنوا من تلقي العلاج في الجانب التركي، لا سيما بعد إغلاق المعابر مع تركيا خوفاً من تفشي كورونا، وقد انتشر مرض السرطان بالمناطق المحررة من سوريا بشكل ملحوظ وتزايدت الحالات المرضية نتيجة عوامل متعددة.احصائيات صادمةأظهرت احصائية لإدارة معبر باب الهوى، أن 1889 شخصاً تمكنوا من دخول الأراضي التركية سنة 2018 لتلقي العلاج. 284 منهم مصابون بسرطان الثدي و189 بسرطان الدماغ، و108 بسرطان الرئة وآخرون مصابون بأنواع أخرى.
تحاول بعض الجمعيات الخيرية والمنظمات الإنسانية الوقوف إلى جانب هؤلاء في ظل إغلاق المعابر، ومنها “جمعية الأمل السورية” المعنية بمساعدة مرضى السرطان السوريين، فمؤخراً أرسلت برقية استعطاف لوزير الداخلية التركي الذي استجاب وأمر بإدخال الطفلة نور إلى المشافي التركية والقيام بما يلزم لمساعدتها، بعد تدهور حالتها الصحية.
وكانت حالة الطفلة نور اليوسف (3 سنوات) ساءت نتيجة مضاعفات إصابتها بكتلة سرطانية في الرأس، ولم يتمكن أهلها النازحون في مخيمات سرمدا من علاجها بعد رفض إدارة معبر باب الهوى إدخالها إلى الجانب التركي، خوفاً من تفشي كورونا، فالمعابر مغلقة كلياً ومرضى السرطان السوريون باتوا مؤخراً في موقف محرج لا يمكن التنبؤ بنتائجه.
وتحاول “جمعية الأمل” تأمين ثمن الجرعات من منظمات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية لتمكين علاج المرضى في الداخل، والذين حرموا من متابعة علاجهم في تركيا، بسبب إغلاق المعبر، وفقاً لأحد المسؤولين في الجمعية.
إمكانيات شبه معدومة
لا يوجد حتى الآن مراكز متخصصة لعلاج مرضى السرطان في الشمال السوري، وفقاً لرئيس دائرة الرعاية الثانوية والثلاثية بمديرية صحة إدلب، الدكتور يحيى نعمة، والذي يؤكد أن هذه الفئة من المرضى تواجه صعوبات ”جسيمة” لأسباب عدة أهمها عدم توفر مراكز خاصة سواءً للتحاليل أو العلاج وهو ما يضطرهم لدفع أموال باهظة قد تصل تكلفة الجرعة الواحدة إلى 500 دولار أمريكي لفترة علاج طويلة قد تمتد لسنوات، ولأنهم عاجزون عن تأمين هذه المبالغ الكبيرة، فإما أن يتكبدوا عناء الذهاب إلى مناطق النظام أو العبور إلى الأراضي التركية بطرق غير شرعية” والسبب في ذلك الإجراءات المعقدة للمكتب الطبي في معبر باب الهوى والذي يطلب عادة تحاليل تثبت الإصابة بالمرض مئة بالمئة، في حين أن تلك التحاليل غير متوفرة في كافة مناطق المحرر.يقول نعمة، إن الأسباب العضوية التي تؤدي إلى الإصابة بالسرطان معروفة في جميع دول العالم، غير أنها في سوريا تضاف اليها أسباب أخرى مثل “الضغوطات النفسية الكبيرة التي يعاني منها المدنيون، سواءً كانوا نازحين أو مقيمين، فالمواد الكيميائية الناتجة عن قصف الأسد وحليفه الروسي للمدنيين في المحرر كالفوسفور والكلور وغازات سامة ومواد متفجرة، والنقص العام في التغذية، والمستوى المرتفع لخط الفقر، والذي وصل ل٨٥ بالمئة، إضافة لاستخدام أدوية منتهية الصلاحية”.
كورونا يعمق المأساة
في ظل انتشار جائحة كورونا التي غزت معظم دول العالم، يعتبر كبار السن وأصحاب الحالات المرضية المزمنة والتي يندرج ضمنها مرض السرطان، هم الأكثر عرضة بمضاعفات خطيرة إذا أصيبوا بالفيروس، بسبب ضعف جهاز المناعة لديهم، وفقاً للموقع الطبي الأمريكي” Helth Day News”.
ليس فقدان مراكز التحليل والتشخيص ما يعمق مأساة هؤلاء هنا في الشمال السوري فقط، فالجرعات المتوفرة عبارة عن أدوية كيمائية خاصة بسرطانات الثدي والكولونات واللومفوما فقط، إضافة إلى أن العلاج الإشعاعي غير متوفر أيضاً حتى اللحظة.
الدكتور مصطفى العيدو، معاون مدير صحة إدلب، يقول إنهم “مهتمون بمرضى السرطان سواءً في ظل كورونا أو غيرها عن طريق تأمين جرعات كيميائية بمساعدة منظمة سامز الطبية للمرضى الذين هم غير قادرين على العبور إلى الأراضي التركية، وخاصة في أوقات إغلاق المعابر”.
ويعمل الأطباء المعالجين للمرضى في مركز سامز – وفقاً للعيدو – علة تقديم المعلومات والتوعية المطلوبة للمرضى لوقاية أنفسهم من الإصابة بكورونا، خاصةً وأن جرعات الكيماوي تتسبب في ضعف الجهاز المناعي بشكل كبير، وهو ما يزيد من فرص الإصابة بالفيروس التاجي.
نقلا عن اورينت نت