“صمٌ، بكمٌ، عميٌ، صفات الحكام أجمع” هكذا خرج يقول محمود المعتقل سابقاً في أقبية سجون النظام في صيدنايا، اعتقل من مدينة إدلب عندما اقتحمها جيش النظام في الشهر الثالث من عام 2011، لعل التهميش لأهمية الفرد السوري، مع التقليل من قيمته كشخص له كيانه الاجتماعي، وحرمانه حقوقه في جميع المجالات، هو ما دفعه لقول ذلك.
في حين يقف العالم مشاهدا للمجازر الحاصلة في سوريا، عاجزا عن إنهاء المذبحة السورية، تُضحي اللغة الرقمية المحدد الرئيسي للهوية الفردية للسوريين، بعدما كان الرقم في كل الدول مقروناً فقط بالتعداد السكاني، فمنذ بداية الحرب السورية، أصبحت حياة 23 مليون سوري مقاسة بالإحصائيات، سواء كانت الدولية أو المحلية.
يتابع محمود قوله:” داخل بلادي نعامل وكأننا أرقام، فلا عتب على العالم إن تحدث عنا إحصائياً، فعندما دخلت السجن نسبوا لي الرقم 100 فهم يستجوبونا ليس بأسمائنا وإنما بأرقامنا، وخلال تواجدي كنت أرى أمام أعيني أرقام توضع على جبهات الشهداء الذين سقطوا تحت التعذيب، وكيف يتم تكديسهم بأكياس النايلون السوداء وقبرهم في مقابر جماعية أو حرقهم كما قال لنا السجان، من دون أي مبالاة بحال أهاليهم أو إبلاغهم فهم مجهولو الهوية كما يعتبرونهم ولا جدوى من التعريف بهم”، علما أن عدد المعتقلين قد تجاوز 200 ألف، مع أكثر من 13 ألف شهيد تحت التعذيب، 20 ألف مفقود داخل السجون الأسدية، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
لم يكتف النظام بترقيم المعتقلين، إلا أنه بقصف مدفعيته الثقيلة و طائراته المروحية والحربية، ومقاتلات وصواريخ حليفه الروسي مؤخرا، جعل من أجساد الشعب السوري أرقاما يقلق حيالها العالم الدولي الغربي والعربي بالإجماع، فوصل عدد الشهداء إلى أكثر من 250 ألف شهيد حسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
في سياسة الأرض المحروقة، كان لابد لملايين السوريين أن يبحثوا عن ملاذ آمن، فبما أن 70% من البنية التحتية مدمرة كما أوردته منظمة الأمم المتحدة، اضطر الناس لسلك طرق موت جديدة عليهم نتيجة الأوضاع الامنية والمعيشية المتردية في الداخل السوري، فالطريق الأول هو اللجوء للمخيمات خارج سورية كمخيم الزعتري في الأردن، ومخيم أورفا في تركيا، فهو الولاية الأولى بعدد اللاجئين السوريين البالغ عددهم فيه 103آلاف سوري، بحسب المسؤولين عنه، فتركيا البلد المجاور ذو المرتبة الأولى عدديا باستقبال السوريين وتحوي أكثر من مليون لاجئ سوري.
بينما الطريق الثاني يتجلى برحلة اللجوء إلى الدول الأوربية أملاً منهم بحياة أفضل عند منحهم بطاقة اللجوء الإنسانية، لكن المحيطات التي احتوت بداخلها أثناء تلك الرحلة المخيفة جثث السوريين أطفالاً ونساء ورجالاً، أضفت عليهم عبئا ثقيلا آخر فوق ما حملوه من مشقات، وزادت القيمة الرقمية للتشرد السوري.
يستفيض محمود بقصته قائلاً:” حري بعد خروج نحو 8 مليون من سوريا، أن تمتلك الدول الأوربية أكبر خزينة عددية محتواها الأفراد السوريين، ففتح أبواب اللجوء إليها أوصل عدد المتواجدين داخلها إلى 270 ألف لاجئ انساني، وفي أميركا 12 ألف لاجئ، بحسب منظمة حقوق الإنسان السورية، وهذا أمر طبيعي حيال استراتيجية التهجير التي يتبعها النظام السوري بهدف تقسيم البلاد، بالتزامن مع عوامل الجذب من الطرف الأوربي لخدمة مخططاتهم الاقتصادية في المستقبل.
يختم محمود ما بدأه بتساؤلات تلخص تلك المؤامرة الكونية على الشعب السوري، فمتى ستزول اللعبة السياسية الترميزية للأفراد، وهل حقاً هناك من سينهي تلك الحرب السورية الشرسة، ويعيد أقل الحقوق المسلوبة لأصحابها، ك حق الحياة والعيش ببلدنا الأم المسروق عنوة على يد جميع الأطراف المتنازعة داخل وخارج سوريا؟؟.
محار الحسن
المركز الصحفي السوري