تجتمع العائلة والجيران في حلقات صغيرة، والكل يعمل ويساهم في صنع كعك العيد الشهير في سوريا، وتظل النسوة تجهز لصنع ذلك الكعك لأيام، ويستغرق العمل به ساعات طوال، وغالباً ما تكون تلك الساعات من بعد الفطور وحتى السحر أواخر أيام رمضان.
“أم علي” إحدى المهجرات إلى ريف حلب الشمالي من قريتها “حاس” في ريف إدلب الجنوبي، تروي بعض المشاهد عن الأيام التي تسبق العيد فتقول “كعك العيد تراث واجب على الجميع، حاله كحال ألبسة الأطفال والتجهيز للعيد، وكانت النساء تنشغل في تجهيزه، وتتساعد النسوة في تحضير كعك العيد عند بعضهم فتساعد إحداهن الأخرى وهكذا، لأنه يحتاج العديد من الأيادي لصنعه”.
“تقسم مهام كعك العيد بين النسوة فإحداهن تكون قد حضرت العجين مسبقاً، تلك العجينة التي تحتوي على الكثير من التوابل منها (شمرة، حبة البركة، يانسون، سمسم، محلب) وغيرها، بالإضافة للسمنة والزيت والسكر أو الملح، فهناك من يحب الكعك حلواً وآخر يحبه مالحاً”.
تكمل أم علي وصف مشاهد عمل الكعك وسط ضحكة كبيرة تغمرها وعيناها تلمع حنيناً لتلك الأيام “بعد تخمير الكعك لساعات، يأتي وقت تجهيزها وهي الفترة الأطول في عملية التحضير، تقوم إحدى النساء بتقطيع العجينة إلى قطع صغار، وتكون هنا النسوة جالسات في حلقات تضع كل واحدة منهن لوحاً خشبياً أمامها وتحول تلك العجينة إلى حلقة دائرية صغيرة، ومن ثم تنقل إلى الفرن لشويها، وبعد الشوي نخزن كمية الكعك الكبيرة بأكياس وتكفينا حتى أواخر الشتاء، نظراً للكميات الكبيرة التي نصنعها”.
اليوم لم تعد أم علي تخطط لتحضير تلك الكميات الكبيرة من كعك العيد كما كانت تعمل في الماضي، وتقول “إذا عملت الكعك فسأصنع ثلاثة كيلو لا أكثر، فالسمنة غالية والطحين والسكر بالإضافة للغاز، ولا أجد الروح نفسها والبهجة التي كنت أعيشها أيام زمان، لكنه تراث تعودنا عليه، وهي أكلة محببة لنا لذلك لن أحرم نفسي وأطفالي منها”.
ويعيش الشمال السوري اليوم في حالة اقتصادية سيئة، ارتفعت فيها أسعار المواد الغذائية بشكل كبير، ولم يعد باستطاعة معظم السكان الحفاظ على غالبية التقاليد والعادات، ومنها كعك العيد التي يعود تاريخه إلى الدولة الطولونية وكان يطلق عليها “كل واشكر” بحسب موقع “مصادر.
واليوم مع اقتراب عيد الفطر وبدء التجهيز له نجد أن معظم السوريين يستغنون عن كعك العيد نظراً لغلاء مواده الأساسية، بدءاً من جرة الغاز المنزلي التي تسعرها شركة وتد في إدلب ب “12.63” دولار أمريكي، وأسعار المواد الأولية للكعك كالسمن الذي يبلغ سعر الكيلو الواحد في أسواق إدلب 28 ليرة تركية، وكيلو الطحين 7 ليرات، والسكر 13 ليرة تركية للكيلو، في حين سعر ليتر الزيت النباتي 33 ليرة تركية، عدا عن ارتفاع أسعار التوابل وغيرها.
وبحسب أم علي، كل عائلة كانت سابقاً تقوم بإعداد كميات كبيرة من كعك العيد، لكن هذه السنة لن تكون كسابقاتها، وستكتفي كل عائلة في حال أن وضعها المادي يسمح بذلك بإعداد كمية أقل من الأعوام السابقة، وسط غياب الكثير من الطقوس والأجواء التي كانت تجمع الناس قبل نزوحهم، في حين يكتفي آخرون بشراء كعك العيد الجاهز من المحلات بكميات قليلة، لكنه كما تعبر أم علي “ليس له نكهة وروح العيد مثل الكعك المنزلي”.
قصة خبرية/إبراهيم الخطيب
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع