استلمت “كارلا ديل بوتني “، رئيسة لجنة التحقيق بجرائم الحرب المرتكبة في سوريا، بدأت مهمتها في بداية الحرب السورية، لكنها في نهاية المطاف تخلت عن منصبها وأعربت عن فشلها على الرغم من وفاة أكثر من نصف مليون بريء سوري، لكنها لم تكن قادرة على استدعاء قاتل واحد إلى المحكمة، لهذا السبب قالت أنها محبطة فقدمت استقالتها.
برحيلها، بقي فقط عضوان رئيسيان وغادر ثلاثة أعضاء من اللجنة الخماسية، تاركين وراءهم أبشع حرب في العصر الحديث من دون أي مراقبة من أحد، على الرغم من خبرتها الكبيرة بملف جرائم الحرب في “رواندا ” و”يوغسلافيا “، وفي تعليقها على سوريا قالت: “بأن الحرب السورية أسوأ حرب رأتها على اﻹطلاق”.
على الرغم من فشلهم، لا يمكننا إلا أن نشكرهم على جهودهم، نحن ندرك بأن القوى العالمية هي التي أحبطت مقاضاة مرتكبي الجرائم، لا لأنهم لا يريدونهم أو لأنه لا يوجد مجرمين ودلائل.
في الحقيقة، ارتُكِبت الجرائم ضد الشعب السوري، لم تكن لتحصل هذه الجرائم لولا تدخل قوى الشر، الذين تآمروا ضد الشعب السوري، والتي لم تكن لتحصل لو أوقفت قوى الخير هذه المؤامرة.
حصلت المأساة السورية، بسبب تدخل هذه القوى. الحرب في سوريا لا تشبه الحرب التي حصلت في ” يوغسلافيا “، عندما حصل اقتتال بين الأهالي بعد انهيار النظام، أو في “راوندا” عندما قاتلت القبائل بعضها البعض.
في سوريا، يرتكب النظام جرائم ضد المدنيين بشكل مباشر، في المناطق التي خرجت منها الاحتجاجات. قصفت قوات النظام الأحياء السكنية بالقنابل والبراميل المتفجرة والمدفعية، وذلك بسبب ضعف قواته على الأرض وانشقاق جنوده، قوات النظام غير قادرة على خوض معارك مباشرة مع الثوار.
وجه الشبه بين سوريا و”بوسنا”، هو استهداف المدنيين بهدف تهجيرهم و إلغاء احتمال تثبيت السلطة في أي أرض محررة، والاختلاف بينهما، أن في سوريا تُرتكب الجرائم من قبل قوات النظام و أطراف قليلة جداً تعمل على تقديم المساعدة للمستهدفين.
بررت المسؤولة الأممية استقالتها بقولها بأن المشهد السوري استُنفِذَ من قوى الخير، بينما بقيت قوى الشر تتصارع فيما بينها، وقالت بأن جميعهم مجرموا حرب.
جزئيا صحيح وخاصة في المرحلة الأخيرة، ولكن هذا تبرير على فشل منظمة دولية والتي لم تعطيها العذر للتخلي عن أكثر المهمات الأساسية التي قيّدت نفسها بها بدلاً من الانسحاب والتخلي عن واجبها، لماذا لا تحاول استدعاء مجرمي الحرب إلى المحاكم ابتداءً من النظام نهايةً بالمعارضة.
لا يحتاج محاكمة القتلة إلى دليل لأن العديد من الجرائم تم توثيقها وتم جمع الدلائل من قبل منظمات دولية معترف بها.
” إذا تمكّن الموتى من التكلم: الموت الجماعي والتعذيب في المعتقلات السورية “، كان هذا العنوان لتقرير دولي والتي جُمِعت معلوماته منذ ثلاث سنوات، احتوى التقرير على 28 ألف صورة صدمت العالم وأظهر بأن هذا العمل هو أفظع عمل وحشي ارتُكِب منذ أكثر من 50 عام.
لم يُقتل أحد من الضحايا في ميدان الحرب، بل قُتِلوا في أقبية سجون النظام، التُقِطت كل الصور من النظام نفسه في سجونه، وُثِّقت الجرائم بشكل سري ﻹثبات بأن المعذبين والمشرفين كانوا ينجزون مهماتهم كما يقال لهم.
على أية حال، سُرّبت الصور من أناس لم يعودوا قادرين على الصمت أكثر من ذلك على الجرائم المروعة، هذه الوثائق معترف عليها دولياً بعد أن تحققت منها المنظمات الدولية، بعضها تابع للأمم المتحدة بحد ذاتها.
في الثورة السورية، لا يوجد أعذار للمحققين هناك جرائم موثقة ومثبتة لإدانة النظام السوري، وأيضا إدانة بعض المجموعات المتطرفة، هم أيضا يستحقون أن يحاسَبوا بنفس الطريقة.
من الصعب أن نتخيل بأن مرتكبي جرائم الحرب في سوريا، سيفلتون من العقاب، بغض النظر عن تغييرالحكومات حساباتها فيما بينها.
لا يوجد عذر لفشل إحالة المجرمين إلى المحكمة، وكان عذر استقالة “كارلا” بأن المعارضة لم تعد أفضل من النظام، هذا الأمر لا يبرر غض الطرف والتنصل من تلك المسؤوليات.
الذين يتكلمون بسرور وثقة عن وجود حل سياسي، الواهمون الذين يتحدثون عن نهاية الحرب و دفن الماضي و اعتقادهم بأن ملايين السوريين يستطيعون العودة إلى منازلهم وينسون ما حصل وكأن الجرائم المرتكبة بحق الشعب منذ 6 سنوات ونصف ومقتل نصف مليون سوري، هي فقط مسلسل تلفزيوني ثم نطفئ التلفاز ونرقد إلى النوم.
العديد من الناس في العالم غير قادرين على غض الطرف، ما حدث لا يمكن نسيانه بمجرد طلب الحكومات من الشعب بأن ينسى ويسامح. إضافة إلى مكافأة المجرمين بالسلطة والامتيازات.
أي طرف يوقّع على مثل هذه الاتفاقيات الخاطئة وغير العادلة، ستكون يداه ملطخة بالدماء، ولا يقل خطورةً عن النظام في دمشق، طهران وحلفائها.
المركز الصحفي السوري-الشرق الأوسط انجلش