بقلم: إبراهيم الإسماعيل
#إدلب_تحت_النار لقى هذا الهاشتاغ انتشاراً واسعاً في وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الاخبارية حول العالم، لما حمل معه من أشرطة فيديو مصورة وصور وعبارات كثيرة، تظهر حجم المأسي التي تحل بسكان إدلب.
حملة إبادة واسعة
شنت قوات النظام السوري وحليفته روسيا والميليشيات الداعمة لهم حملة عسكرية شرسة على ريفي إدلب الجنوبي والشرقي.
ونشر فريق منسقو استجابة سوريا إحصائية تضمنت وفاة أكثر من 252 مدنيا بينهم 79 طفل وطفلة أي ما يعادل 31.35 بالمئة من مجموع الضحايا المدنيين، منذ بداية الحملة.
وفي إحصائية أخرى أصدرها الدفاع المدني السوري وثقت نتائج الحملة العسكرية منذ بداية شهر ديسمبر حتى تاريخ 23 من ذات الشهر، استشهاد 131 مدني بينهم 2 طفلاً و34 و29 إمرأة و 3 متطوعين من الخوذ البيضاء، كما وثق الدفاع انقاذ وإسعاف 361 شخص جراء أكثر من 4 آلاف هجوم، من ضمنها 670 غارة جوية، 3 آلاف قصف مدفعي وصاروخي، 328 برميل متفجر.
استخدم النظام وحلفاءه في الحملة مختلف أنواع الأسلحة التي ما زالت تقتل السوريين منذ قيام الثورة في 2011، واستخدمت روسيا طائراتها الحديثة وقنابلها المتنوعة والجديدة التي قامت بتجربتها على المدنيين في سوريا.
نتائج كارثية
مع عدد الشهداء والجرحى الكبير الذي خلفته الحملة، أدت أيضاً لنزوح جماعي من ريفي إدلب الجنوي والشرقي، والذي سبقه نزوح كامل سكان القرى التي سيطر عليها النظام وحلفاءه في الريف الجنوبي لإدلب وكامل الريف الحموي الشمالي، وأهمها مدن اللطامنة وكفرزيتا وخان شيخون والهبيط، وخلو المدن والبلدات المجاورة للسابقة كونها خط جبهة بشكل كامل ومنها مدن كفرنبل وكفرسجنة ومعرة حرمة وترملا.
ووثق منسقو استجابة سوريا نزوح أكثر من 40.117 عائلة (216.632 نسمة) من المنطقة المنزوعة السلاح في ريف إدلب الجنوبي والجنوبي الشرقي، موزعين على أكثر من 249 قرية وبلدة ومخيم منذ بداية تشرين الثاني، والرقم في تزايد نتيجة استمرار الحملة العسكرية على ريف إدلب الشرقي والجنوبي.
لم تقتصر معاناة النازحين على ترك منازلهم ومحالهم التجارية وترك كل ما يملكونه خلفهم، بل تعدى الأمر لمبيتهم في الشوارع، فالكثير منهم لا يملك المال ليحصل على منزل هذا إن وجد، فالمدن والبلدات في عموم محافطة إدلب المحررة امتلأت بالنازحين، ليبقى هؤلاء تحت الأشجار وعلى أرصفة الطرقات، ولم يتمكن الكثير منهم من الحصول حتى على الخيمة التي أصبحت حلم لهم في ظل ظروف الشتاء القاسية التي تنهش أجساد أطفالهم الغضة ونسائهم ومسنيهم.
استياء من الضامن التركي
أخذت تركيا موقف الضامن في الشمال السوري ووقعت إتفاقيات مع روسيا وإيران، ووضعت تركيا 12 نقطة مراقبة توزعت في المناطق المحررة في وقت سابق، لكن مع مرور الوقت والتقدم الذي حققه النظام بعد سياسية الأرض المحروقة والقصف الهمجي الذي انتهجه في حملاته، لم تحقق النقاط أي إفادة للشعب السوري، رغم التطمينات التي أعطها الضباط الأتراك في النقاط التركية للوفود التي زاروا تلك النقاط من وجهاء القرى القريبة عليها.
وبعد محاصرة النقطة التركية في مورك في المرحلة الأولى من حملة النظام، والتقليل من هيبة تركيا، وفي المرحلة الثانية من الحملة الأخيرة حاصر النظام النقطة التركية في الصرمان بريف إدلب الشرقي، لتقع تركيا في وضع حرج، فهي الضامن لوقف إطلاق النار الذي لم يحصل، ولم تتمكن هذه النقاط من وقف الحملة أو التأثير عليها حتى.
ويتسأل السوروين لما وجدت هذه النقاط، ما هدفها الخفي، فالهدف المعلن منع تقدم النظام والمحافظة على وقف إطلاق النار، لكن هذا لم يحدث، وإذا تابعنا ردة فعل الكثير من السوريين على مواقع التواصل نجد تركيا في وضع صعب بنظرهم واتهامهم تركيا ببيع مناطقهم ضمن اتفاقيات غير معلنة مع روسيا، واستشهدوا بالتاريخ القريب الذي مكن النظام من السيطرة على مناطق لم يكن يحلم بالسيطرة عليها في ريف حلب بعد عملية غصن الزيتون، ومن قبلها أحياء في حلب.
ويتساءل أخرون أن تركيا لو لم تتفق مع روسيا لكانت حركت المقاتلين التابعين لها المنخرطين ضمن عمليتي غصن الزيتون ودرع الفرات ونبع السلام، فألاف المقاتلين يتمركزون في أرياف حلب ولم ينخرطوا إلا بجزء بسيط جدا من قوتهم في معارك إدلب، فبرأيهم تركيا استخدمتهم لابعاد قوات سوريا الديمقراطية وحزب بي كي كي عن حدودها، ولم تكترث لما يحدث في إدلب.
كما أن تركيا أغلقت حدودها بوجه النازحين السورين منذ بدء حملة النظام على إدلب.
ودعا عدد من السياسيين والناشطين السوريين، للتوقيع على بيان نشروه على وسائل التواصل الاجتماعي، وجاء فيه “على مرأى العالم أجمع؛ وبصمت عربي وإسلامي ودولي غير مبرر وفي ظل تقاسم الدم السوري المسفوك بين ميليشيا بشار الأسد وجهات إقليمية ودولية تحت ذريعة محاربة الإرهاب تارة أو ضمن تفاهمات دولية على حساب السوريين ولا سيما مسار أستانا الذي شكل في نهاية المطاف مظلة للعدو الروسي وحلفائه لقتل وجرح عشرات آلاف المدنيين السوريين وتهجير أكثر من مليوني مواطن سوري من الجنوب والغوطة وحمص وحلب وإدلب”.
وأضاف البيان أن الهجوم الذي يشنه النظام وروسيا على إدلب “بذريعة تطبيقه لتفاهمات أستانا ومحاربة الإرهاب”، هو في الواقع استهداف للمدنيين الذين وقفوا بصدورهم العارية ضد المنظمات الإرهابية في معرة النعمان وسراقب وكفر نبل وسواها من بلدات محافظة إدلب”.
ودان البيان “بقوة الصمت العربي والإسلامي”، كما استنكر “بشدة صمت الضامن التركي، فهو مسؤول مسؤولية مباشرة عن حماية السكان في إدلب من الهجمات الروسية”.
وطالب البيان تركيا “بالتحرك السريع لإيقاف هذه الحملة وتحقيق نتائج ملموسة”، مضيفاً أن “الدم السوري لا يمكن أن يكون مجرد سلعة يتم المتاجرة بها في بازار الدول من أجل الحصول على مغانم مالية من هذا الطرف أو ذاك، كما أن الدم السوري ليس مجالا لبيعه في سوق المجاملة وتعزيز العلاقات بين أطراف تفاهم أستانا المشؤوم”.
وفي بيان أخر حمل عنوان “رسالة المثقفين السوريين إلى الرئيس التركي أردوغان بخصوص أحداث إدلب” أطلقه سياسيون وناشطون سوريون, ناشدوا فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالمساعدة “في وقف الهجمة الإجرامية”.
وأشاروا إلى أن “سياسة القضم التدريجي التي تتبعها روسيا تهدف في نهاية المطاف إلى السيطرة على غالبية محافظة إدلب وحصر الوجود التركي في المنطقة الحدودية بهدف تحجيم دورها في سوريا مستقبلاً”.
وأضاف البيان ” فخامة الرئيس إن حكومة تركيا وشعبها الشقيق قد قدموا لشعبنا كل العون والمساندة في محنته القاسية وهو ما ستذكره الأجيال بالشكر والعرفان.. إن المأساة التي يعيش فيها اليوم مئات الألوف من سكان إدلب أكبر من أن تعبر عنها الكلمات ونحن واثقون من أنكم تتابعون ذلك بحرص وعناية”.
لم تكن هذه البيانات وحدها التي عبرت عن الاستياء من الموقف التركي، فعبر وسائل التواصل الاجتماعي عبر ناشطون ومدنيون عن استيائهم الكبير من موقف الضامن، وهذه بعض الردود:
تخاذل واضح للفصائل
اتهم السوريون والناشطون الفصائل العسكرية وعلى رأسهم هيئة تحرير الشام أكبر الفصائل في إدلب تخاذلهم في الدفاع عن ريف إدلب، وانخراطهم ضمن الاتفاقيات الخفية، وإثباتهم لذلك صمود الفصائل عندما أرادت صمود أسطوري في وجه حملات النظام السابقة على ريف حماة، حيث بقي النظام لفترة طويلة يحاول السيطرة على قرى مكشوفة ولا تحتوي تضاريس كريف إدلب والقرى التي سيطر عليها النظام مؤخراً.
فقد صمدت الفصائل بوجه حملات النظام الشرسة في وقت سابق في تلملح والجبين وغيرها، لكن هذه الفصائل لم تصمد لساعات أمام حملات النظام على ريف إدلب على الرغم أن ريف إدلب يوجد به تضاريس تمكنهم من استنزاف النظام وتكبيده خسائر فادحة والصمود طويلاً أمام حملاته.
ودعا الناشطون مختلف الفصائل لتحمل مسؤوليتها في الدفاع عن إدلب ونسف الاتفاقيات والوقوف جانب الشعب.
كما أن هيئة تحرير الشام وقفت بوجه حملات التظاهر الكبيرة التي شهدها الشمال السوري وخاصة معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، فقد منعت التظاهر واستهدفت المتظاهرين بالقنابل المسيلة للدموع وإطلاق الرصاص الحي في السماء لارعابهم ومنعهم من التظاهر، واعتقال للناشطين لعدة أيام ومصادرة معداتهم، كما حصل في المظاهرة الأخيرة في معبر باب الهوى يوم الجمعة بتاريخ 20-12-2019.
هذه المشاهد تذكر السوريين في العام الأول للثورة حين كان النظام يقمع المتظاهرين عبر نفس الأساليب من إطلاق الرصاص والقنابل المسيلة للدموع والاعتقال للمتظاهرين والناشطين.
وفي النهاية الجميع تأمر على الشعب السوري ووضعوه ضمن اتفاقيات قذرة، جعلت الوضع في المناطق المحررة كارثي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، والجميع أغلق حدوده بوجه السوريين، لتبقى فقط السماء مفتوحة دون تأشيرة أو حدود كما يقول السوريون.
المركز الصحفي السوري – إبراهيم الإسماعيل