انتقد خبير في السياسة الخارجية خطة الرئيس الأميركي، المنتهية ولايته، باراك أوباما، بشأن سوريا والتي ارتكزت بالأساس على محاربة “تنظيم الدولة” والإطاحة بنظام بشار الأسد، معتبراً أن الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب يمتلك خطة أكثر وواقعية ونجاحاً، من خطة سلفه.
فترامب يرى أن أولوياته في سوريا هي التعاون مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للإسراع في القضاء على “تنظيم الدولة”، في الوقت نفسه تأجل الإطاحة بنظام بشار الأسد، بحسب مقال لمايكل أوهانلون، زميل معهد بروكينغز، بصحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية.
وبحسب أوهانلون، “يعتقد الكثيرون أنَّ هذا الحل أكثر واقعية من محاولة القضاء على (تنظيم الدولة) والتخلص من الأسد في الوقت ذاته.
وهذا نص المقال
خطة الرئيس أوباما، التي ارتكزت على هزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية” والإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد في الوقت ذاته، مع تخصيص موارد محدودة من الجانب الأميركي لهذا الغرض، فشلت في إنهاء هذه الكارثة الإنسانية أو حتى احتوائها. منذ اندلاع الحرب في سوريا، نزح نصف التعداد السكاني للبلاد قبل الحرب وقُتل نحو 500 ألف شخص. أدى هذا الصراع إلى خلق ملاذ آمن لـ”داعش،” وهو ما ساعدهم في السيطرة على منطقة تبلغ ربع مساحة العراق وشن المزيد من الهجمات على أهداف غربية. “داعش” يتكبد خسائر، ولكنه، بالإضافة إلى تنظيم القاعدة في العراق، بعيدان كل البعد عن الهزيمة، وكذلك الحرب بعيدة كل البعد عن النهاية.
وأعلن ترامب أن أولوياته في سوريا هي التعاون مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للإسراع في القضاء على “تنظيم الدولة”، وأي محاولة لعزل الأسد من منصبه قد تكون مؤجلة. في الأردن، وكما رأيت في رحلة قمت بها مؤخراً، يعتقد الكثيرون أنَّ هذا الحل أكثر واقعية من محاولة القضاء على “داعش” والتخلص من الأسد في الوقت ذاته. الخطر الشديد الذي يمثله “داعش” وتنظيم القاعدة في العراق يجعل هذه الخطة تروق للجميع.
ومع ذلك، تنطوي هذه الخطة أيضاً على خطر آخر، في ظل صعوبة استمرار الأسد رئيساً شرعياً لسوريا بأكملها ويداه ملطختان بكل هذه الدماء. فهو يلقى معارضة شرسة من قطاعات عريضة من الأغلبية السُّنية، وأسبابهم في ذلك منطقية. على مدار 5 سنوات، يشاهد أهل السنة أحياءهم تُقصف بالبراميل المتفجرة وتُدمَّر، وذويهم يُحرمون الغذاء والرعاية الطبية أو الذهاب إلى مدارسهم وأعمالهم. الولايات المتحدة ربما تقضي على “تنظيم الدولة”، ولكنها ستشهد مدى استفادة الجماعات المتطرفة الأخرى من مشاعر المرارة والقهر التي خلفتها مثل هذه الممارسات. ستظهر موجة جديدة من التنظيمات الجهادية بكل تأكيد، وستستمر الحرب.
التعاون مع روسيا للقضاء على “داعش” قد يجدي نفعاً فقط في حالة امتلاك الولايات المتحدة رؤية لما سيحدث بعد ذلك. هذه الخطة أيضاً لا بد أن تحظى بموافقة السُنة، والأكراد، ودول مثل: تركيا، والأردن، ولبنان، وإسرائيل، والعراق، ودول الخليج. ويجب الإعلان عن هذه الرؤية للجميع في الوقت نفسه الذي يُعلن فيه عن أي تعاون عسكري جديد بين الولايات المتحدة وروسيا. ولا بد من التعهد للسُّنة والأكراد بإيجاد بديل للعيش تحت حكم نظام الأسد القاتل، فهم لن يقبلوا بتحية قائد ارتكب جرائم إبادة جماعية في حق عائلاتهم وجيرانهم.
لتحقيق السلام، ستحتاج سوريا إلى حكم ذاتي في وجود عدد من المناطق المستقلة. أحد الخيارات هو نظام فيدرالي تُقسم من خلاله البلاد إلى عدة مناطق. خيار آخر أقل تفضيلاً وقبولاً هو تقسيم البلاد إلى عدة مناطق مستقلة ولكنها خاضعة لدولة مركزية، مثلما أدار العراقيون والأكراد بلادهم لمدة ربع قرن.
الحل الأمثل هو أن يرحل الأسد، ولكن هذا الاحتمال ليس واقعياً الآن بالنظر إلى المعركة الدائرة مؤخراً والموقف الروسي. أما الاحتمال المنطقي، فهو أن يتولى الأسد حكم منطقة مستقلة في ظل دولة اتحادية جديدة. في حين أن الخيار الأسوأ هو بقاؤه رئيساً للبلاد لبعض الوقت، بشرط خضوع مناطق السُّنة والأكراد لحكمه المباشر أو وجود قواته الأمنية بها.
سقوط حلب زاد الموقف تعقيداً. سيطر الأسد على كبرى مدن البلاد، ومن الصعب أن يتنازل عن هذه القوة بمحض إرادته. هناك مساران محتملان، الأول هو دعم قوات المعارضة عسكرياً ومساعدتها في أماكن الصراع الدائر، على أمل أن تصبح بعض المدن الرئيسية محل نزاع بينها وبين قوات النظام مرةً أخرى، ولكن يبدو أن هذا الخيار لا يروق لترامب.
الخيار الثاني هو تقديم دعم أمني محدود للجماعات المعارضة المعتدلة وإعادة بناء بعض المدن المنكوبة في مواقع أخرى (وهي الطريقة التي طبقتها الصين لبناء مناطق حضرية رئيسية من لا شيء) من أجل السُنة والأكراد في المقام الأول. هذا الحل قد ينال استحسان الأسد وروسيا؛ لأنه يؤدي إلى انتهاء الحرب والمساعدة في إعادة تعمير البلاد، وسيحتفظ الرئيس المضطرب بسيطرته على المدن الخاضعة لحكمه الآن، ولكن من الممكن أن يتم إقناعه بعدم المطالبة بفرض المزيد من السيطرة مستقبلاً.
يجب التوصل إلى هذا الاتفاق من خلال التفاوض وبدعم من قوات حفظ السلام الدولية. هذه القوات يمكن أن تشمل روسيا في غرب البلاد، وتركيا في الشمال حيث توجد بالفعل الآن، مع إمكانية مساهمة قوات المشاة من الدول العربية والأوروبية ودول جنوب آسيا. القوات الأميركية يمكن أن تساهم في القيادة والسيطرة بشكل عام، بالإضافة إلى الخدمات اللوجيستية وعمليات مكافحة الإرهاب.
توفير الأمن في مناطق الحكم الذاتي التابعة للسُّنة والأكراد سيكون مهمة الشرطة المحلية وربما بعض من قوات شبه عسكرية تم تكوينها وإعدادها وتسليحها بدعم مباشر من المجتمع الدولي، على أن تُزود هذه القوات بكميات محدودة من الأسلحة الثقيلة فقط؛ حتى يسهل التفاوض مع الأسد بشأن هذا الاقتراح. ويمكن أن توافق القوى الخارجية على التوقف عن مساعدة الجماعات المتمردة في ضرب حلب أو أي مقرات حكومية أخرى، وستتحول مساعداتها الأمنية بدلاً من ذلك إلى الشرطة المحلية الرسمية أو قوات الشرطة.
المساعدة الخارجية لإعادة هيكلة الدولة السورية يجب أن تُقدم في المقام الأول إلى مناطق الحكم الذاتي نفسها. هذا من شأنه أن يعزز القوة التفاوضية للمجتمع الدولي مع الحكومات المحلية الجديدة. ولكي يحصل الأسد على دعم من أوروبا وأميركا والخليج في المناطق الخاضعة لسيطرته، لن يضطر إلى الموافقة على استقلال السُّنة والأكراد فقط،؛ بل سيتعهد بالالتزام بخطة لتقليص دوره المستقبلي في الحكم المركزي للبلاد سريعاً.
الكثير من السوريين لن تروق لهم فكرة دولة اتحادية، أو حتى فكرة حكومة مركزية تدير نصف البلاد، بينما يتم تقسيم النصف الآخر إلى 3 أو 4 مناطق حكم ذاتي، ولكن مثل هذه الاتفاقات ليس من الضروري أن تبقى دائمة. يمكن أن تتضمن الصفقة بنداً ينص على إجراء استفتاء دستوري خلال 10 سنوات للتصويت على عودة حكومة مركزية بصلاحيات أكبر.
تفاصيل كثيرة، مثل حدود مناطق الحكم الذاتي المستقبلية، يمكن أن تُناقش في عملية تفاوض سلام في المستقبل، ولكن الرؤية الواسعة للموقف يجب أن تظهر قريباً. إذا أدمج ترامب خططه للتعاون مع روسيا مع خطة بناء سوريا جديدة، فمن الممكن أن يصبح هو الرئيس الذي ينهي هذا الصراع المأساوي أخيراً.
المصدر: هيوفينغتون بوست عربي