يُرجّح خبراء اقتصاديون أن تشهد مناطق سيطرة نظام أسد انفجارا شعبيا جديدا يوازي انتفاضة 2011، وأن يكون سلاح “الجوع”، الذي تفنن النظام وداعموه باستخدامه ضد مناطق الثوار والمعارضين حتى 2018، وكان سببا رئيسا في هزيمتهم وخاصة بريف دمشق وحمص، هو ذاته من سيؤدي إلى انهيار النظام وتحقيق ما عجزت عنه أسلحة السياسيين والعسكريين.
بوادر هذا الانفجار بدأت ملامحه في السويداء (أقرب للحياد)، لتزداد حدته في درعا (مصالحة بقوة السلاح) وصولا إلى اللاذقية وجبلة (عمق الحاضنة المؤيدة) اللتين شهدتا لأول مرة عبارات شتم علني لرأس النظام وشعارات احتجاجية ضده كتبت على جدران المدراس والأبنية، مما آل إليه الوضع الاقتصادي الكارثي الذي أوصل إليه البلاد، وفق ما ذكرت مصادر محلية لأورينت بوقت سابق.
مصرف منهار وعجز إيراني
ومنذ عام 2017 أعلن المصرف المركزي التابع لنظام أسد عجزه عن دعم الليرة وبدأ باتباع سياسة عدم التدخل في السوق بسبب انخفاض احتياطاته من القطع الأجنبي بشكل كبير، ليعترف رئيس مجلس وزراء أسد عن خلو الخزينة من القطع الأجنبي بشكل شبه كامل قبل نحو عام، ويتجه للاعتماد بشكل كلي على اتفاقية الخط الائتماني الموقعة مع إيران.
وهنا يقول الباحث الاقتصادي السوري خالد تركاوي إن العقوبات الدولية على إيران وجائحة كورونا وما رافقها من انهيار للاقتصاد الإيراني وتردي الأوضاع المعيشية لديها أجبرها على وقف الخط الائتماني مع نظام أسد.
وأضاف تركاوي في اتصال هاتفي مع أورينت، أن “إيران لم يعد بمقدورها أن تقدم أي مساعدة مالية لنظام أسد، حتى في المجال الوحيد، الذي يمكن أن تساعد به وهو النفط فقد أعلن النظام عن توقفه تحت طائلة العقوبات والتهديدات الأمريكية بضرب القوافل بالبر والبحر”، وهو ما اعترف به نظام أسد بنفسه قبل حوالي ستة أشهر.
وأما الشعرة التي قصمت ظهر نظام أسد فهو إعلان لبنان الرئة التي يتنفس منها إفلاسه بعد أن استنزفته ميليشيا أسد وحليفتها ميليشيا “حزب الله” وأغرقتاه في أزمة اقتصادية وسياسية خانقة، لا يبدو لها حلا في الأفق القريب، لتبقى روسيا الوحيدة القادرة على منع الانهيار الكامل لاقتصاد النظام، كما يؤكد تركاوي وغير واحد من الخبراء الاقتصاديين، ولكن!
روسيا في مواجهة “قيصر” وإسرائيل
ورغم أن لدى المحتل الروسي حوالي 500 مليار دولار كنقد أجنبي في احتياطها كما زعمت في تقرير نشره موقع روسيا اليوم، 23 نيسان الفائت، غير أن روسيا أحجمت حتى الآن عن مده بالقطع الأجنبي، بل على العكس طالبته قبل أشهر بإيفاء ديون لها، قالت تقارير غربية إن قيمتها (3 مليار دولار) مقابل دعمها العسكري بالمرتزقة والسلاح منذ تدخلها المباشر في سوريا خريف عام 2015.
وفي تصريح سابق لأورينت، عزا الدكتور أسامة القاضي رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا، إحجام روسيا عن تقديم الدعم الاقتصادي لنظام أسد، وخصوصا إثر انهيار الليرة إلى سببين، أولهما هو هشاشة اقتصاد النظام وعدم استعداد روسيا وحدها لإعادة تأهيله وإعادة الإعمار وهو ما يحتاج إلى (500 مليار دولار)، إضافة إلى قانون قيصر الذي يضغط بالدرجة الأولى على حلفاء النظام (روسيا وإيران).
ويتفق “تركاوي” مع ما ذهب إليه القاضي ويضيف سببا آخر يتعلق بإيران، فيقول، إن روسيا تتهم الجهاز الإداري والمالي الذي يشرف عليه بشار أسد وأفراد عائلته وأذرعه الاقتصادية بالفساد المستشري الذي لا يمكن علاجه، (هي من رعت فساده ونمته على مدى عقود)، فضلا عن خشيتها من قانون قيصر التي لا تعرف حتى الآن كيف سيكون تأثيره عليها”.
والجزء الاول من كلام تركاوي يعززه ما ظهر إلى العلن عبر صراع (أسد – وابن خاله مخلوف الطاحن) على أموال الشعب السوري المنهوبة خلال عقود من الزمن وما رافقها من فضائح فساد مالي وأخلاقي كشف عنها أفراد في عائلة أسد مؤخرا.
وفيما يتعلق بإيران، أضاف تركاوي أن روسيا تخشى من تقوية النفوذ الإيراني على حسابها في سوريا في حال دعمت “الأسد”، وهو ما حصل في درعا التي أصبحت مسرحا لميليشيات إيران وملعبا لتهريب الحشيش والمخدرات لمافيات ميليشيا حزب الله اللبناني، بعدما قدمت روسيا أقصى دعم عسكري ولوجستي لميليشيا أسد لإخضاع المحافظة منتصف عام 2018.وفي هذا الصدد لا يغيب عن روسيا الضغط الإسرائيلي عليها لتنفيذ الاتفاق الموقع بينهما 2018 بتحجيم دور إيران وإخراج ميليشياتها من سوريا، رغم الاختلاف على التوقيت.
تهديد أمريكي وخيارات روسية محدودة
وبالعودة إلى “قيصر” أمريكا، قال مبعوثها الخاص إلى سوريا جيمس جيفري (الأحد)، إن الانهيار الحاصل في الليرة السورية “دليل على أن روسيا وإيران لم تعودا قادرتين على تعويم النظام” مشيراً أن بلاده قدمت للأسد طريقة للخروج من هذه الأزمة، وأنه إذا “كان مهتماً بشعبه فسيقبل العرض.
ورغم عدم ذكر جيفري لتفاصل العرض، غير أنه يكرر تهديده المبطن في كل مناسبة، وهي أن الحل الوحيد أمام النظام وداعميه هو الانخراط بعملية سياسية حقيقية تحت إشراف الأمم المتحدة وتطبيق القرار الدولي 2254، وإخراج ميليشيات إيران من سوريا (ما يعني ضمنا تغيير النظام)، وإلا سيواجه وداعموه ” قانون قيصر”.
وسجلت الليرة السورية الإثنين انهيارا مرعبا، حيث وصل سعرها إلى 3500 أمام الدولار الواحد، قبل أن تعود إلى ما دون 3 آلاف بقليل، مع شلل اقتصادي مستمر منذ نحو أسبوع على جميع المستويات، أدى إلى انتفاضات “الجوع” التي تزداد حدتها رويدا رويدا.
هذه الانتفاضات حدت بموالين إلى مناشدة روسيا لإنقاذهم مما هم فيه، والتي وفقا لقيصر أمريكا واتفاق إسرائيل، لا تملك سوى خيارين؛ إما الإطاحة بالأسد واستبداله أو الضغط عليه لدخول عملية سياسية حقيقية تضمن لها مكاسبها في سوريا، ما يعني إجراء تغيير حقيقي في بنية النظام، وهو ما يعني ضمنا رحيل بشار أسد عن السلطة، هذا إذا ما بقيت أمريكا على موقفها ووضعت “قيصر” حيز التنفيذ.
ومن المعلوم أن قانون “قيصر” يستهدف محاصرة نظام أسد اقتصاديا ومعاقبة كل من يدعمه ويسانده من الدول والشركات والأشخاص داخليا وخارجيا، وسيتم تفعيله في شهر حزيران الجاري بحسب التصريحات الأمريكية.
نقلا عن اورينت نت