منذ اندلاع أحداث الثورة في سورية, والأجهزة الإعلامية التابعة للنظام تتهم الثوار بتخريب وحرق المؤسسات الحكومية والدوائر الرسمية التي دفع الشعب نفسه أثماناً باهظة لبنائها وتأسيسها باعتبارها من الأملاك العامة وليست خاصة وينبغي على الجميع المحافظة عليها وفقاً للدعوة الإعلامية للنظام!
روايات عديدة وشهادات مزورة ومشكوك في أمرها اعتاد التلفزيون التابع للنظام على بثها على شاشات التلفزة العامة والخاصة (المسيسة) في رسالة منه للمشاهدين في داخل سورية وخارجها بهدف (شيطنة) الثورة والثوار وإظهارها بمظهر الغوغاء والعشوائية التي تستهدف البنية الداخلية للدولة السورية ودعائمها الاقتصادية والنسيج الاجتماعي داخلها.
اتهامات النظام المتكررة للثوار باستهداف المؤسسات العامة شملت العديد من المرافق الصحية والاجتماعية والتربوية والمالية والاقتصادية وحتى الدينية, مثل المستوصفات والمشافي ودور العبادة ودوائر الأحوال الشخصية ودور العبادة والمدارس وغيرها, ولكن حملة الخداع والكذب والتشويه التي قام بها النظام كان لابد لها أن تنهار في لحظة فارقة ليعلم الرأي العام علم اليقين أن هذه الحملات التخريبية هي من أفعال النظام فقط لا غير وهو من يتحمل المسؤولية الأولى عنها.
عشرات ومئات المقاطع المصورة توثّق استهداف قوات النظام للنقاط الطبية ودور العبادة والمدارس, فضلاً عن العديد من التقارير الدولية التي تحدثت عن قيام النظام باستهداف هذه المؤسسات الحساسة بمختلف أنواع الأسلحة كالدبابات والمدفعية وسلاح الجو, في حملة ممنهجة طالت أماكن متفرقة من الخارطة الجغرافية السورية وبمختلف اتجاهاتها.
وكانت آخر هذه الحملات الشرسة باستخدام الطائرات الحربية لقصف المدارس واستهداف الكوادر التعليمية والتلاميذ في مشهد صارخ تعجز الكلمات عن وصف هول فاجعته الكبيرة, مستغلاً عجز المجتمع الدولي عن التصرف بحزم تجاه الأعمال العدائية التي تجاوزت مستويات جرائم الحرب, إضافة لاستغلال مظلة الحماية السياسية الروسية والدبلوماسية في جميع المحافل الدولية للتغطية عن تلك الجرائم البشعة التي يقوم بها النظام وحلفاؤه في سورية.
وتعتبر المجزرة الشهيرة التي ارتكبتها طائرات النظام في بلدة “حاس” الواقعة في ريف إدلب الجنوبي, من أكثر المجازر بشاعة على الإطلاق, حيث قامت الطائرات الحربية التابعة للنظام باستهداف تجمع المدارس في البلدة صباحاً أثناء وقت الدوام الرسمي للتلاميذ, ما أوقع عدداً كبيراً من الضحايا بين صفوف التلاميذ والمعلمين, وتجاوزت حصيلة الضحايا أكثر من 40 شهيداً إضافة إلى جرح العشرات جراء استهداف مدارسهم ب”الصواريخ المظلية” ذات القدرة التدميرية الهائلة.
لاقت تلك الجريمة النكراء حملة واسعة من الإدانات الدولية إلى جانب الدعوات المختلفة لفتح ملف تحقيق حيادي حول الجريمة, إلا أن هذه الدعوات والإدانات بدت اليوم وكأنها تجربة (جس نبض) من قبل النظام لردة الفعل الدولية ونتائجها العكسية عليه, وعندما اكتشف النظام أن المسألة لن تتعدى مستوى الإدانة أمعن في زيادة غاراته على المدارس في المناطق المحررة, وتكررت عمليات القصف والاستهداف للمدارس بعد هذه الجريمة أكثر من مرة.
يبدو أن النظام ينظر للتلاميذ في المناطق المحررة كمشروع لجيل كامل نشأ في ظل التجربة الثورية, بعيداً عن مناهج التدريس السابقة التي كانت تكرس مفاهيم المنطلقات النظرية في فكر (القائد الخالد) كقاعدة تربوية وتعليمية أساسية تضمن بقاء نظام الاستبداد في سورية, لذلك يتعمد النظام اليوم زيادة حملات القصف والاستهداف للمدارس لإراقة دماء هؤلاء التلاميذ المساكين كجزء من سياسة العقاب الجماعية التي يطبقها النظام.
ولكن الأسوأ من كل ذلك أن يتحول مشهد قصف المدارس وقتل التلاميذ داخل وخارج المدارس, هو مشهد اعتيادي يجري أمام مرأى ومسمع العالم قاطبة, لذلك يعتبر السوريون أن الجميع متواطئ في إراقة دماء أطفالهم على مبدأ المثل الشعبي الشهير “الساكت عن الحق شيطان أخرس”, والصامت عن الجريمة هو مشارك فيها.
المركز الصحفي السوري- فادي أبو الجود