حوصرت معضمية الشام لمدة 3 سنوات بشكل متواصل. وتخللت الحصار فترات هدن مزعومة يسمح فيها للطلاب والموظفين بالخروج والعودة، دون أن يحملوا معهم أي شيء. وفي منتصف تشرين الأول من العام الماضي أجبر النظام 1100 من أهالي المدينة على الخروج منها متجهين إلى مدينة إدلب، حاملين عشرات القصص التي تدمي القلب.
كانت غرفة التفتيش على حاجز السومرية كابوساً مرهقاً لأهل المدينة الذين يسمح لهم بمغادرتها والعودة. واعتبر الجميع هذه الغرفة مكان إذلال للرجال والنساء والأطفال، لا يمكن أن تغادره دون أن تسمع الكلام البذيء أو تتعرض للضرب وأحياناً للاعتقال بعد الوقوف لساعات طويلة بانتظار التفتيش. على الجميع أن يمروا على أربعة حواجز خلال مسافة 2 كم، وقد عرف عن حاجز السومرية أنه الأصعب، واعتقل المئات من المارين عليه.
حدثتنا دعاء النجار (30 عاماً)، وهي من أهالي المعضمية الذين وصلوا إلى مدينة إدلب، وهي تحاول أن تستجمع ذاكرتها التي أتعبتها الأحداث، فقالت: «كان عليّ الوقوف لما يقارب بين 3 و4 ساعات بعد العودة من عملي ليأتي دوري في التفتيش الذي ينتهك كل كرامة عند الإنسان. لم يكن لدينا طعام، فغامرت بإحضار قطعة شوكولا ورغيف خبز لولدي الجائع وأخفيتهما في ملابسي. دخلت وأنا أرتجف وأتصبب عرقاً من الخوف. كان التفتيش دقيقاً فطلب مني خلع الملابس الخارجية والحجاب. اكتشفت لميس (المسؤولة عن تفتيش النساء) أمري، فصفعتني على وجهي وركلتني وقالت: «يا حيوانة عم تخبّي الخبز بجسمك، مو حرام عليكي يا جوعانة». رددت دعاء بحرقة: «على أساس هم بيعرفوا الحلال من الحرام الكلاب». تابعت: «ترجيتا أنو تتركلي رغيف الخبز وأنا عم أتألم من الذل والإهانة لأني عم أترجاها، بس معلش كرمال طعمي ابني. تمنيته ياكل شوكولا»، فكان جواب لميس: «انقلعي أحسن ما اعتقلك».
قال جمال محمد (23 عاماً)، وهو طالب جامعي: «التأخير عالحواجز ليس ناتجاً عن الازدحام. عالغالب بنكون كم واحد، بس يا بيكونوا عم يطقوا حنك ويتسلوا بإذلالنا أو عم يأكلوا أو عم يشربوا متة، بقى ليجي على بالهم يمشونا بيمشونا. مرة كنت واقف عم أستنى دوري وأنا مخبّي بحذائي ظرف دوا الضغط لأمي، كان قلبي عم يرجف من الخوف بس حاولت أتظاهر بالقوة. مرّت لحظات أحسستها سنوات لأنهم كانوا أحياناً يطلبوا منا خلع أحذيتنا. قال المفتش: تعا يا عرعوري. شو معك؟ إحكي قبل ما فتشك. قلتلو باكية دخان. وكنت قد جلبتها للتمويه، بشان يلتهي فيها وانفد بالدوا. وعم قول يا رب ياخدها ويتركني روح. ما تركت دعاء وما دعيته. قال لي: هات علبة الدخان وانقلع ولا بقى تعيدا، صاحب مزاج يا حيوان. فرحت ودمعت عيوني رغم الإهانات والذل، بس لأني قدرت جيب الدوا. ما صدقت حالي وركضت كأني بطل أسطوري لأعطيها الدوا لأمي براس مرفوع».
نسرين (26 عاماً) تحدثت عن تجربتها مع الحواجز قائلة: دخلت على دمشق بحالة إسعافية للولادة. وعند عودتي، بعد 5 أيام، وقفت بانتظار دوري مثل الآخرين وأنا أحمل رضيعي تحت أشعة الشمس ولا مكان للجلوس. بعد ساعتين ونصف تقريباً دخلت وأنا أحمل رضيعي وأرتجف خوفاً وتعباً، ولم أعد قادرة على الوقوف خوفاً على علبة الحليب التي أحضرتها معي. قالت لي عائدة، وهي وحدة من المفتشات الأربعة يللي كانوا على حاجز السومرية: جبتي بنت ولا صبي؟ قلت لها: صبي. عصبت وصرخت وقالت: إرهابي يعني! صاروا يفتشوني بدقة وأنا منهكة من التعب. وجاء دور رضيعي، أخدته وصارت تفتشه وكأنه ماسكة شي حديدة مو طفل، وفكّت له الحفوضة بهمجية خايفة يكون فيا دولارات، وأنا على أعصابي من خوفي على طفلي ودمي عم يحترق حرق ما بدي ياهن يقربوا عليه. معلش يضربوني ويهينوني بس ما يقربوا على ابني. يا أخي الولد عن جد بيكسر الضهر. عشت إحساس بشع كتير وصار جسمي كله عرق من القهر وماني قدرانة لا آخده ولا أحكي شي، وغصب عني بدي أبتسم وسايرن كمان. إذا ابني يللي عمره 5 أيام ما نفد من إجرامهن، مين رح ينفد! وما سمحولي أدخل اللوازم الأساسية لابني، من حليب وحفاضات وأدوية المقوي يللي عطانياهن الدكتور، وصادروهم.