هناك كثير مما يمكن نقده في تفكير مؤيدي الثورة السورية، وكاتب هذه السطور منهم. من هذه الأمور تشبّثُ مؤيدين للثورة، سياسيين ومثقفين ونشطاء، وبدرجة أقل بكثير عسكريين، بشرح الحقيقة الواقعية أن علاقة وطيدة تربط نظام بشار الأسد وحكومة نوري المالكي في العراق وإيران بتنظيم القاعدة وبعده “داعش”. كانت الغاية هي ربط الأطراف المذكورة بالإرهاب وتبرئة النفس، وكأن الأمر سهلٌ ومتاحٌ، ويمكن إقناع الآخرين ببساطة، به، إذْ يكفي أن نورد حقائق من نوع أن:
الأسد أخرج من السجن 900 إسلامي سلفي، جلّهم مرتبط بقاعدة العراق في عام 2011 من سجن صيدنايا. وفي الوقت نفسه، كانت أجهزته تزج في المعتقلات آلاف النشطاء المدنيين. وكان قادة أكبر الفصائل الإسلامية التي اعتبرت ثورية فيما بعد من هؤلاء الإسلاميين.
المالكي سهّل هروب آلاف من السلفيين المرتبطين بـ”الدولة الإسلامية” في العراق من سجن أبو غريب، وما تلاه فيما بعد من انسحاب 40 ألف عسكري وضابط من الجيش العراقي بطريقة مريبة من الموصل. ولم يكن مهاجمو الموصل آنذاك يتجاوزون 800 جهادي.
الإيرانيون أمّنوا ملاذاتٍ آمنة لبعض قيادات “القاعدة”. عاش فيها نجل أسامة بن لادن من امرأته السورية إلى أن غادرت العائلة إلى سورية 2011. ولا زالت الأيام تكشف أن قادة آخرين من “القاعدة” ما زالوا مقيمين في إيران.
ومعروف جيداً أن مخابرات الأسد تعاونت، في مراحل متعددة، مع الأميركان والغربيين في الحقل الأمني، وكثيراً ما ذكّر الأسد الغربيين أنه تعاون معهم، وأنه يستأهل المكافأة، وليس غيرها. وأجهزة الأمن العراقية في حالة تعاون تام مع الأميركان، وهي لن تعمل في تعاونها مع الغرب ضد الجهاديين، بمعزل عن الشغل الإيراني.
والحال هذه، يقتضي الأمر أن نعرف أن الكلام عن وظيفيّة دول غير عظمى، كإيران، في التعاون ضد “الإرهاب” مع دول عظمى، عبر رصيد معلوماتها عن الإرهاب، واختراقها له، ليس مجالاً ناجعاً لإقناع الدول العظمى بصوابية وجهة نظرنا. إذْ كيف نقنع أجهزة مخابرات ومراكز قرار في الدول المؤثرة في أن يتخلوا عن مصادر معلوماتٍ ثريةٍ في معلوماتها، وكيف نقنعهم أن يتخلوا عن تعاون مثمر ومريح بالنسبة لهم؟ نحلم.
وللتوضيح أكثر. أعلن العالم، ممثلاً بالدول العظمى في مجلس الأمن، تضاف إليها دول أوروبا والهند، وجزء مهم من الدول الإسلامية، أعلن الحرب على الإرهاب. ما يعني، بوضوح، الحرب على القاعدة وداعش والسلفية الجهادية السنية أينما كانت. لا ينقص هذا من أن يكون هناك هامش تزييني، أو حقيقي، في اتهام أطراف غير سنية، هنا وهناك، مثل الحوادث الفردية من بيض في أوروبا أو أميركا، ومثل وضع حزب العمال الكردستاني (التركي).
ستجرف هذه الحرب على الإرهاب واقعياً معها دولاً ومنظمات وحركاتٍ، وحتى ثورات، تحت مسمى الحرب على الإرهاب. وقد فعلت هذا من قبل في العراق، وظلت مستمرة، ولم تخفت ضد كل ما يخص أي تشكيل عراقي سني، لا يوالي حكومة المليشيات الشيعية. الحرب على الإرهاب بلدوزر ضخم، له وجهة محددة، وسائق غير مدرب على تجنب شيء. كلّه سيُعفس للوصول إلى الهدف. والمصيبة أن الهدف، أي الجهادية السلفية، بفروعها ليست ثابتة في مكان، ولا تعطي نفسها بسهولة. وهي تعتاش على مبرراتٍ كثيرة، على أحقية عملها وكفاحها، ولن ينهيها بلدوزر أهوج.
إذن، وبوضوح، هل تسمع تلك الدول العظمى والدول صاحبة مشروع الحرب على الإرهاب لإيران التي تجمع بيدها أوراقاً عديدة في هذا المجال، أم لنا ولحلفائنا المحصورين في خانات قاتلة؟ هنا الفرق. وهنا ما هو حاصل.
لا يمكن تعديل هذا الميزان غير العادل، إلا بعمل سنوات وسنوات، وبمعرفةٍ وعمل من الدول الحليفة للثورة أن القضية ليست أمنياتٍ، ولا آمالاً، ولا تحشيداً بخطاب طائفي، وإنما بعمل منظم ودؤوب، وبسلوك إلى دروبٍ للعصر، بدلاً من الوقوف على الرصيف، والتمثّل بالسلف. وقد صارت دول كثيرة تحسب الثورة السورية على السلفية السنيّة الأقرب إلى الإرهاب.
وحدهما العمل والخطاب الوطنيان المستبطنان روح العصر في المدنية والعلمانية والديمقراطية هما ما يمكن أن ينقذا الثورة من بلدوزر الحرب على الإرهاب.
العربي الجديد – محمد الحاج صالح