ارتكب نظام الأسد أبشع الجرائم ضد السوريين، التي جعلته يحتل المرتبة الأولى على مر العصور في بشاعة الجريمة وكمية الحقد الأعمى على طالبي الحرية، لن نتحدث عن القتل والتهجير القسري والدمار الشامل لمقومات الحياة والتغير الديموغرافي، فهذه الجرائم ظاهرة للعالم وارتكبت أمام أعين الجميع.
أبشع الجرائم ضد الإنسانية والمخفية الاعتقال القسري والتعذيب بطرق مختلفة حتى الموت، والأبشع من ذلك لا وجود لجثث أولئك المعتقلين.
استغل نظام الأسد ملف المعتقلين منذ عام 2011 وحتى اللحظة للضغط على المدنيين وابتزازهم، فضلاً عن استغلال الملف سياسياً للتنصل من الجرائم التي ارتكبها بالاشتراك مع روسيا والميليشيات الطائفية المتعددة، وما يؤكد ذلك إصدار النظام في الفترة الأخيرة عبر السجل المدني لوائح تضم أسماء معتقلين قال بأنهم توفوا في المعتقلات وأرسل أسماءهم إلى دائرة النفوس مع شهادات وفاة جميعها حملت سبب الوفاة “الجلطة القلبية” دون تفاصيل أخرى عن مكان الجثة أو أية معلومات عن المعتقلين.
في تقرير نشرته صحيفة التلغراف البريطانية تناولت فيه شهادات الوفاة الصادرة عن السجل المدني التابع للنظام بحق معتقلين سياسيين وعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم هما أمران يسعى من خلالهما النظام السوري وروسيا لطوي صفحة الحرب واستعداد لمرحلة ما بعد الحرب.
إصدار النظام لهذه اللوائح يحمل الإيجابيات والسلبيات
الشيء الإيجابي إراحة نفوس السوريين من الضغط والابتزاز من قبل النظام وقطع الأمل بعودة معتقليهم بعد تسلم شهادة الوفاة.
الأمر الثاني، بهذه الوثائق يثبت اعتراف النظام بالاعتقال وموت المعتقلين ضمن مذابحه المخفية والمسالخ البشرية في باطن الأرض، فهو يتحمل المسؤولية الكاملة عما حدث لهم كما أن الكشف عن هذه القوائم بهذا العدد الكبير يؤكد المنهجية والنطاق الواسع للجرائم والمسؤولية الجنائية لكل أركان النظام عنها بما فيها المستوى السياسي والوزاري الذي شارك به، مما يؤكد أنها جريمة ضد الإنسانية مكتملة الأركان لا يمكن دحضها ولا إنكار مسؤولية كل أركان النظام عنها.
وقد نشرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريراً وثق استشهاد 13197 شخصاً بسبب التعذيب على يد الأطراف الرئيسية الفاعلة في سوريا منذ أذار عام 2011 وحتى حزيران عام 2018، وقد قتل النظام منهم 13066 شخص أي بنسبة 99 بالمئة من العدد الإجمالي للشهداء المعتقلين.
اعتمد النظام في هذه الفترة تحديداً على إصدار وثائق وفاة المعتقلين التي تسبق جولة جديدة من اجتماعات أستانا والتي سيكون ملف المعتقلين أول الملفات على الطاولة، ولكن السؤال لماذا الآن يقدم النظام وثيقة اعتراف بجريمة كاملة الأركان؟ ولماذا يلبي مطالب منظمات حقوق الإنسان بالكشف عن مصير المعتقلين؟
يقول الناشط والحقوقي السوري ورئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية “أنور البني” في مقاله: “أول الأسباب ربما تكون خطأً تورط فيه النظام ويمكننا الاستفادة منه للدرجة القصوى، وثانياً ربما بدأ تحريك الملفات لدى القضاء الأوروبي وإصدار مذكرات توقيف بحق عدد من المجرمين المتهمين بالمسؤولية عن جرائم الإخفاء القسري والتعذيب والقتل في المعتقلات وعلى رأسهم جميل الحسن، ما دفع النظام لمحاولة إيجاد غطاء قانوني بموتهم لأسباب طبية (حتماً لن يؤخذ به) للرد قانونياً على الملفات المفتوحة”.
وأضاف “وربما لسحب ملف المعتقلين من التداول السياسي وخاصة مع قرب اجتماع أستانة والضغط باتجاه وضع ملف المعتقلين أولاً على الطاولة، وقبول روسيا بذلك ومحاولة تشكيل لجان للكشف عن مصير المعتقلين فاستبق هذه الخطوة بالبدء بالكشف عن مصيرهم لقطع الطريق على أي محاولة لذلك”.
في نهاية المطاف نظام الأسد ارتكب أبشع الجرائم التي لم يشهد مثلها التاريخ المعاصر، ولابد من محاسبته وجميع أركانه وكل المتورطين في الجرائم ضد الإنسانية ضد الشعب السوري، أما الإفلات وتجاهل هذه الجرائم التي يحاول النظام التملص منها وتقديم رموز فردية من ضباطه كأكباش فداء سيفتح بوابات جهنم على العالم بأكمله.
إبراهيم الإسماعيل – مجلة الحدث