بعد خمس سنواتٍ شهدت آلاف المجازر، أقل ما يمكن وصفها بأنها “مروعة”، تبقى مذبحة الحولة في ريف حمص أحد أهم الشواهد على الحقد الطائفي اللامتناهي من قبل شبيحة النظام في القرى الموالية المجاورة، الذين هشموا بالسواطير والفؤوس رؤوس 45 طفلاً، وقتلوا ذويهم ليخرجوا من الحولة وقد أزهقوا 114 روحاً بشرية في أقل التقديرات.
الناشط سامر الحمصي عايش اللحظات ووثق المشاهد ونقل لـ “كلنا شركاء” ما عاش وشاهد وكذلك ما عايشته القلة القليلة الناجية من مذبحة الحولة،
كما هي العادة كان مساء الخميس حافلاً بالتجهيزات لمظاهرة يوم الجمعة من خلال تحضير اللافتات والشعارات حيث كنا ننتظر ان تكون مظاهرتنا في اليوم التالي كما كانت في كل الاسابيع التي سبقتها حاشدة تهز صرخات المتظاهرين فيها اجواء الحولة ومحيطها بزغت اشعة شمس يوم الجمعة لتبدأ معها التحضيرات ولم نكن نعلم ما هو مخبئ لنا.
انطلقنا عقب صلاة الجمعة (25 أيار 2012) لنتجمع في ساحة الحرية لتبدأ المظاهرات هاتفة باسم الجمعة “يا دمشق قادمون” وفي وسط التظاهرات بدأت قوات النظام تستهدف محيط التظاهرة بقذائف الدبابات لتنتقل بعدها القذائف الى المنازل المجاورة والشوارع وتبدأ معها الإصابات بالتوافد للمشافي الميدانية لتنفض المظاهرات خوفاً على سلامة المدنيين المتظاهرين.
لم يستطع سكان حي طريق السد جنوب غربي مدينة تلدو العودة إلى منازلهم بسبب قصف النظام لطريق عودتهم بقذائف الدبابات والرشاشات الثقيلة كان يوما هو الاقسى علينا استمر فيه القصف من صلاة الجمعة حتى ساعات المساء الأمر الذي دفع سكان مدينة تلدو للنزوح خارج المدينة تحت جنح الليل.
ازدادت عمليات النزوح مع توارد الأخبار عن ارتكاب النظام لمجزرة في منازل حي طريق السد ومع حلول الظلام تمكنت مجموعات الجيش الحر من الوصول إلى المنازل التي أشيع أن مجزرةً ارتكبت فيها.
عادوا ليجدوا أسراً بكاملها أبيدت، لم يستوعبوا ما حدث في البداية، إلا أن واجبهم كان نقلهم جميعاً إلى مكانٍ آخر، علّهم يجدون بينهم قلباً ينبض بالحياة، فكانوا لشدة القصف يضعون الجثث على سجاد ويسحبوها بالحبال نتيجة لاستهداف النظام للطريق الامر الذي يحول دون نقلهم بشكل مباشر.
فؤوس وسواطير
بدأت الاعداد بالتوارد عشرة لا عشرين بل ثلاثين كانت هذه الأرقام مرعبة بالنسبة إلي في ذلك الوقت بدأنا عمليات توثيق المجزرة من خلال مجموعات الإعلاميين الموجودين كانت الأرقام مرعبة و لكن المشاهد كانت أصعب وأقسى، أطفال صغار تبولوا على أنفسهم قبل إعدامهم بالسواطير والفؤوس أو بإطلاق الرصاص من مسافة قريبة في أفضل الأحوال لتتمزق جماجمهم الناعمة، مشاهد تعجز الوحوش عن ارتكاب ما ارتكبه كائنات النظام التي لم أجد لها تعبيرا ينصفها، فأنا أخشى على مشاعر الوحوش من الذم بهم، بدأنا ننتقل بين المساجد و البرادات التي وُضعت فيها الجثث رائحة الدماء ملأت شوارع الحولة كما ملأتها الدموع الرعب و الخوف و الترقب.
شهودٌ مغيّبون
حوالي الساعة الحادية عشر والنصف تلقينا اتصالاً عن وصول مجموعة من الجثث في أحد مساجد المدينة، اختلفنا من سيقوم بتوثيقهم، أبو ليث أصر أن يذهب، أما ابو عروبة فمنعه لكون أبو ليث متزوج ولديه اطفال والطريق خطير نتيجة لعمليات القصف بينما لم يتقبلوا أن أدخل بينهم في ذلك النقاش لينتهي بذهاب ابو عروبة.
والاثنين اليوم مغيبون في سجون النظام بينما كنت أوثق جثثا لطفلة بعمر الخمسة أشهر وخمس نساء في مسجد آخر طفلة ملاك ما تزال ابتسامتها على شفاهها وقد حطمت جمجمتها ساطور أو فأس خرجت أحد العظام من جبينها إلا انها بقيت ملاكاً، مشهد لم ولن انساه يوماً، انتهت المجزرة باستشهاد 114 مدنيا بينهم 65 من اسرة واحدة و45 طفلا ذبحوا بأبشع الطرق بالسواطير والسكاكين والفؤوس إضافة الى إعدامات الرصاص.
مراقبون دوليون حضروا
بعد ليل طويل قضيناه في نقل الجثث من مكان إلى آخر وصلوا إلى برادات الخضار والأجبان التي وضعت فيها الجثث وبانتظار طلوع الصباح لتتم عملية الدفن وخلال ساعات الليل قضينا الليل بالتواصل مع الناشطين والمراقبين وكل من نستطيع في محاولة للمطالبة بدخول وفد الامم المتحدة، وهذا ما حدث حيث دخل وفد الامم المتحدة ووثق الجثث والشهداء وأيضا أخذ شهادات شهود العيان، لكن خمس سنواتٍ لم تكفِ على ما يبدو المجتمع الدولي لإثبات أنّ أبا الإرهاب وصانعه والمحترف بارتكابه هو نظام بشار الأسد، الذي أفلت ميليشيات الطائفة ليأكلوا لحوم أطفال الحولة.
الموت أنجاه
علي طفل في الثامنة من عمره، نجا من المجزرة بأعجوبة، وعاد حياً ليروي ببراءته مشاهد تشيب شعر الرأس: دخلوا إلى بيتنا وأطلقوا النار على أمي وأبي، وكنت أنا وأخوتي الثلاثة في الغرفة حيث أطلقوا النار على إخوتي الثلاثة وأطلقوا النار علي والرصاصة أتت جانبي و لكني مثلت الموت حتى لا يعود و يطلق النار علي من الجديد.
بقي علي ساعات غارقا بدماء اخوته بانتظار من ينقذه ليعيش علي حتى اللحظة متأثراً بذكريات المجزرة التي سببت له آثارا نفسية لن تفارقه ما دام حيا.
تحت التبن
محمد طفل آخر سمع أصوات إطلاق النار في حيه فقال لأمه أن يختبؤوا في التبان (مكان وضع علف الحيوانات) ليختبئوا بين أكوام التبن حتى غادر القاتل ليخرجوا ويشاهدوا برك الدماء وجيرانهم وقد قتلوا ليشاهد الطفل محمد أصدقاءه محمد وياسر وعبد الرزاق وقد قتلوا جميعا.
17 من عائلتها
أم محمد، امرأة سبعينية قضى 17 فرداً من أسرتها في مجزرة الحولة تروي كيف نجت، تقول دخلوا وهم يبلسون الزي العسكري ويضعون عصائب على رؤوسهم أثناء دخولهم وقفت خلف باب المنزل فلم يروني وبدؤوا يطلقون النار على ابنتي وزوجة أبني وأولاد ابني وأنا زحفت من خلفهم على الدرج باتجاه الطابق الأعلى وبقيت مختبئة حتى أتى الجيش الحر وأخرجني.
لم تجف دموع تلك المرآة حتى اللحظة وما تزال دموعها تسيل وتبكي أبناءها وأحفادها.
أما فاطمة التي رأت جيرانها يقتلون بقصف النظام للشوارع في المدينة تحدثت عن رؤيتها لأشلاء الجثث في الشوارع أثناء هروبها من المجزرة، فقالت إن جدها بقي مقتولا في أحد المنازل المطلة على حاجز مؤسسة المياه وبقيت جثته لأكثر من خمسة ايام قبل ان تتمكن الامم المتحدة من إخراجها بعد ان تعفنت كما تحدثت عن وفاة عمتها بعد يومين من المجزرة نتيجة لغياب الأدوية في المنطقة حيث دخلت عمتها في نوبة سكر أدت إلى وفاتها.
كل الحولة اشترت سلاحاً بسبب المجزرة
عملت قوات النظام على مدى خمس سنوات إلى استهداف حي طريق السد الذي بات يعرف باسم حي المجزرة لتدمير مساكن الحي التي تعد شاهداً على أبشع مجازر الثورة وأولها الحي الذي يعد شاهدا على أبشع مجازر الثورة.
وشكّلت تلك المجزرة نقطة تحول في تاريخ منطقة الحولة حيث كانت نقطة تحول في الثورة من السلمية إلى المسلحة، وكل شخص في منطقة الحولة اشترى سلاحه الخاص للدفاع عن نفسه، ومنهم من باع أرضه أو جواهر زوجته او حيواناته لهذا الغرض.