لا يُفترض أن تتفاجأ إيران وملحقاتها، بالحراك السياسي الاستثنائي الذي تشهده الرياض بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، فذلك أمر يُقارب البداهة التامة: طالما أن المشروع الإحيائي القومي والمذهبي الإيراني ذاهب باتجاهات خارجية صدامية مفتوحة، فإن أحداً لن يقف حياله موقف المتفرج، بل العكس هو الصحيح والصحّ والصواب!
ومثلما أن إيران تسعى الى تعمير عمارتها من حجارة الحطام العربي القريب والبعيد، فإن هذا الجوار لن يوفّر طريقة لحفظ كيانه ومصيره وأرضه وناسه ومؤسساته وعمرانه وردّ الأذى عنه. ولم يخطئ أبداً من وضع الأمر في خلاصته على أساس أن الحراك العربي هو رد فعل دفاعي على فعل إيراني هجومي.
في سياق منظومة الحقّ والجور والحلال والحرام، تُوضع حقائق معقّدة بلغة بسيطة. أولاها أن الأخطار والتهديدات التي يشكّلها المشروع الإيراني على النسيج العربي والإسلامي الأكثري لم يسبق لها مثيل في التاريخ المعاصر. بل هي فاقت بأضعاف مضاعفة المخاطر التي شكّلها المشروع الاسرائيلي سابقاً ويشكّلها راهناً، وتلك المحتملة من جرّائه مستقبلاً. بل التلخيص المرير يقود الى خلاصة أكثر مرارة تفيد أن الخطر الاسرائيلي وحّد العرب والمسلمين، فيما كسّر المشروع الايراني تلك الدرع وفتّتها الى حطام فتنوي ملتهب.
وثانية تلك الحقائق، ان إيران لا تخجل في مشروعها وطموحاتها وجموحها واندفاعها، فيما الجانب العربي يذهب الى الدفاع عن نفسه مضطراً وآسفاً، بعد أن استنفد كل المحاولات الآيلة الى بناء علاقات حسن جوار تخدم مصالح الجميع وتحافظ على استقرارهم وتوجّه طاقات التنمية العمرانية والبشرية الى حيث يجب
وثالثة تلك الحقائق، أن إيران هي التي تلعب في أرض غيرها وليس الجانب العربي من يلعب في أرضها… وهي التي تمسّ بصراحة ومن دون مواربة أو خجل أو خفر، أسس ومعتقدات الآخرين لخدمة سياساتها، متجاهلة وناسفة عوامل التحريم التي تدّعي الأخذ بها من ضمن منظومة النصّ الديني الذي يستند اليه نظامها وتقوم عليه جمهوريتها!
ورابعة تلك الحقائق، أن ايران التي تذهب الى آخر الدنيا وأكبر “الشياطين” وأعدائها المفترضين بحثا عن مصالحها، لا يحقّ لها أن تلوم الآخرين اذا ذهبوا الى إخوتهم في الدين وجيرانهم في الجغرافيا وحلفائهم في السياسة، من أجل بناء سدّ دفاعي لمواجهة الأخطار المصيرية التي تتهدّدهم وتتهدد دولهم وشعوبهم وقيمهم ومصالحهم الوطنية العليا.
وخامسة تلك الحقائق، أن إيران تبالغ مرتين: مرّة في افتراض مقدار قوتها، ومرّة في افتراض مدى ضعف الآخرين.. أما أم الخطايا في سياساتها، فتكمن في افتراضها أن في الفتنة المذهبية قوة لها وضعفاً لغيرها!
علي نون – المستقبل