إسطنبول: لم يلبث أن أعلن الإعلام الأمريكي فوز الديمقراطي جو بايدن برئاسة الولايات المتحدة، حتى كانت مصر حاضرة في المشهد، بتصدر رئيسها قائمة المهنئين من القادة العرب، ومناشدة معارضتها بحلحلة الأوضاع التي طال انتظار إصلاحها.
القيادة السياسية التي طوت صفحة حليفها السابق دونالد ترامب، وسارعت بتهنئة المالك الجديد لزمام البيت الأبيض، تُرجح أبواقها الإعلامية عدم تغيير جذري فارق في سياسة واشنطن مع القاهرة.
فيما تتعطش المعارضة المصرية إلى تموضع جديد يقوي شوكتها التي ضمرت خلال سنوات حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي (منذ 2014)، إذ سارعت جماعة الإخوان إلى تقديم التهنئة لـ”بايدن”، مشفوعة بطلب تغيير سياساته تجاه النظام المصري، مستشهدة بتصريح سابق بعدم منح السيسي “صكوكا مجانية”.
وينصب بايدن رئيسا للولايات المتحدة في 20 يناير/ كانون الثاني 2021، مكررا على الأرجح نسخة هادئة في التعاطي مع قضايا الشرق الأوسط، على غرار التي انتهجها أثناء شغله منصب نائب الرئيس الأمريكي باراك أوباما (2008 – 2016)، وفق مراقبين دوليين.
إدارة فاترة
وعاصر بايدن ذروة احتدام الأزمة بعد إطاحة الجيش المصري بالرئيس الأسبق محمد مرسي المنتمي إلى الإخوان، وكان في قلب الإدارة الأمريكية خلال 3 أعوام من الولاية الحرجة للسيسي.
ويرجح مراقبون أن يكتفي بايدن بالتصريحات الإعلامية التي ترضي قادة المعارضة وتوحي بتغيير نسبي، لا سيما في ملفات حقوق الإنسان والحريات العامة، فيما تظل علاقات بلاده الاستراتيجية مع مصر ونظامها الحالي دون “تغيير جذري” يهدد وجود السلطة.
كما تفرض أعباء الولايات المتحدة الداخلية خفوتا حتميا للقضايا الإقليمية من قائمة أولويات إدارة بايدن الجديدة، نظرا لتفاقم أزمة تفشي فيروس كورونا، ودعم الاقتصاد، وتحسين صورة أمريكا بعد تضررها دوليا بعهد دونالد ترامب، وفق مراقبين.
بايدن ومصر
في خضم الإطاحة بمرسي، وما تلاها من أحداث أسفرت عن توقيف ومقتل وإصابة الآلاف بحسب المعارضة، لم يسمع صوت بايدن نائب رئيس الولايات المتحدة آنذاك بشكل لافت، وحينها كان السيسي وزيرا للدفاع، ثم صار رئيسا للبلاد.
فيما تغيرت نبرة المرشح الديمقراطي بايدن، أثناء سباقه المحموم للرئاسة في يوليو/ تموز الماضي، معلنا رفض منح السيسي حال فوزه “صكوكا مجانية”، منتقدا أوضاعا حقوقية في مصر.
وعقب أشهر قليلة، وجه 56 نائبا من الحزب الديمقراطي المنتمي إليه بايدن، خطابا للسيسي للمطالبة بتحقيق انفراجة في الأوضاع والإفراج عن النشطاء والمعارضين في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ويعتبر المراقبون أن ارتداء بايدن “ثوب رجل الدولة الأول بالولايات المتحدة”، لن يتيح له وضع الصراع بين السلطة والمعارضة بمصر على قائمة اهتمامات البيت الأبيض.
كما أن احتمالات التلويح بـ”عصا” تجميد المساعدات الأمريكية السنوية لمصر يظل محدودا، خاصة بعد أن تجمدت عام 2013، ثم عادت سريعا في 2015، بدعوى “مصلحة الأمن القومي الأمريكي”.
وتظل مصر دولة محورية، يصعب تجاوزها لا سيما في ملفات فلسطين وليبيا وسوريا والسودان، إلى جانب إيجادها للتوازن بعلاقاتها مع روسيا والصين وإسرائيل والسعودية والإمارات، برأي المراقبين.
ومن ثم، فإن انحياز الإدارة الأمريكية إلى المعارضة المصرية يظل أقرب للتحركات الإعلامية والمناوشات في الغرف المغلقة، تماشيا مع سياسة الحزب الديمقراطي الداعمة لحقوق الإنسان والحريات بالمنطقة.
ويعول سياسيون ومعارضون بمصر، على قدرة بايدن في إعادة رسم صورة واشنطن المدافعة عن حقوق الإنسان، بعد أن توارت وخفتت تماما في عهد سلفه ترامب.
لكن بايدن سيحاول أيضا تلافي 4 سنوات “عسيرة” من عمر الولايات المتحدة، قام فيها ترامب بـ”الخروج عن النص الأمريكي” في السياسات الخارجية بالعديد من الملفات، أبرزها الإيراني والفلسطيني.
بايدن والمعارضة
وبحسب باحثين مصريين في شؤون العلاقات الأمريكية، لن يسعى بايدن المثقل بملفات حساسة داخليا وخارجيا، إلى المعارضة المصرية بقدر تطلعها إليه، والذي بدا من خلال خطاب الإخوان المبكر لتهنئته بالفوز، ما يعكس تعطش قوى المعارضة لتموضع جديد يحلحل جمودها الواقع منذ سنوات.
ويتوقع الباحثون أن تخلق المعارضة لنفسها موطئا مع كل هجوم محتمل من بايدن على السيسي، لتخفيف ضغوط المحاصرة التي تشهدها، والتي تظهر جليا في ملف الموقوفين سياسيا بالسجون المصرية المقدرة أعدادهم بالآلاف، مقابل نفي دائم ومستمر للسلطات.
ومؤخرا، دشن مغردون مصريون وسم (هاشتاغ) “بركاتك يا بايدن”، بات في غضون أيام الأعلى تداولا عبر منصات التواصل الاجتماعي، للربط بين فوزه وقرار السلطات بإطلاق سراح مئات الموقوفين على خلفية قضايا الرأي، في محاولة للتشبث بأمل لا يزال غير مضمون العواقب.
ويبدو أن السلطات المصرية حاولت أيضا استثمار ورقة إطلاق سراح الموقوفين لتبدو أكثر مرونة في التعامل مع أوضاع الحريات وحقوق الإنسان أمام الإدارة الأمريكية الجديدة.
ورغم تلك المناورات، يستبعد المراقبون أن يحدث تحول فارق في العلاقات بين الإدارة الأمريكية والنظام المصري، لتلبية نداءات المعارضة اللحوحة حيال مزيد من الحريات.
بايدن والنظام المصري
عبر تهنئة مبكرة من السيسي له بالفوز، وتصريح لاحق لوزير الخارجية المصري سامح شكري، بأن واشنطن شريك استراتيجي قوي للقاهرة، تبدو ملامح العلاقات بين البلدين خلال ولاية أولى لبايدن (2021 – 2025).
ورغم صدمة المعارضين بمصر من التعاطي السريع للنظام مع فوز بايدن، والإسراع في طي صفحة الحليف ترامب، لكن المراقبين أكدوا أن قواعد اللعبة المصرية في التعامل مع الإدارة الأمريكية، لا تخضع لعوامل الانسجام بقدر المصالح.
في المقابل، تظل الفرص السانحة أمام المعارضة من وجود بايدن، تتأرجح بين الإقدام والإدبار بناء على عدة عوامل، أبرزها قوة وتماسك قواها في طرح ملفاتها وقضاياها، واهتمام الإدارة الأمريكية باستغلالها للضغط على النظام المصري.
نقلا عن القدس العربي