نشر موقع “فورين بوليسي” مقالا للصحافية ستيفاني غلينسكي بعنوان “كيف ستغتني النخبة اللبنانية من انفجار بيروت”، وقالت فيه إن معظم السكان لا يملكون المال مما يجعلهم عرضة للمشاريع الفاسدة.
وقالت إن لبنان عندما بدأ عملية الإعمار بعد 15 عاما من الحرب الأهلية كانت النتيجة بمثابة منجم ذهب للمسؤولين الحكوميين وأصدقائهم. فقد ذهبت العقود للأشخاص المقربين منهم واختفت أموال الدعم وازدهرت شبكات المحسوبية.
واليوم حيث تفكر الحكومة بماذا تعمله في المرفأ المدمر يشعر الكثير من اللبنانيين بالخوف من عودة آلة الفساد التي تعمل محاورها بقوة بشكل يؤدي إلى حرمان المواطنين من بيوتهم. ولا ينتشر الخوف أكثر مما في الأحياء التي أثر عليها انفجار هذا الشهر وخلف وراءه 200 قتيل ومئات الآلاف من المشردين وعشرات الآلاف من البيوت المحطمة. وقال فاسكين ماموريان الذي تضرر بيته الذي بني قبل قرن: “الحكومة لا تساعد، وهي ليست موجودة أصلا وأضمن أنها ستحاول السيطرة على أرضنا وبيوتنا المدمرة” و”ليست هذه هي المرة الأولى التي يحدث فيها هذا”. وكان ماموريان ينظف الحطام من بيته وهي مهمة وقعت على كاهل أصحاب البيوت والمتطوعين. وقال: “لا نعرف من سيدفع كلفة هذا” و”كل ما أعرفه أنني دفعت للعمال خلال الأسابيع الماضية لتنظيف الأنقاض”.
وكان الانفجار بمثابة كارثة في بلد يواجه أزمة اقتصادية والآن تزايدا في حالات الإصابة بفيروس كورونا. ويحمل اللبنانيون الحكومة مسؤولية الإهمال وتركها 2.750 طنا من نترات الأمونيوم في مستودع بالميناء وطوال السنوات الست الماضية. ويقول كريم بيطار، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القديس يوسف ومدير مركز الأبحاث للشؤون الدولية والإستراتيجية، إن الكثير من السكان ممن لا يملكون المال لإصلاح بيوتهم قد يتعرضون لمحاولات إكراه كي يبيعوا بيوتهم بأسعار أقل من قيمتها الحقيقية في السوق. وقال: “ربما أغري المواطنون الذي يحتاجون الدولارات لبناء بيوتهم من جديد، ومعظمهم لا يملكها، لقبول مبلغ من المال من الساسة الذين يحاولون السيطرة على الأحياء”.
وحذر بيطار من وقوع أموال المساعدات القادمة من الخارج في الجيوب الخطأ: “في الماضي، ساعدت أموال الدعم الدولي في مرحلة ما بعد الحرب أمراء الحرب السابقين على البقاء في السلطة بدلا من المساعدة على إعادة بناء الأمة”. وحتى قبل الانفجار كان اللبنانيون يعيشون تحت وطأة الأزمة الاقتصادية. وتضاعف عدد الذين يعانون من الفقر إلى نسبة 50% وذلك حسب أرقام المفوضية الاقتصادية والاجتماعية لغرب أسيا التابعة للأمم المتحدة. وتعاني نسبة 23% من الفقر المدقع والذي يعني أنهم يعيشون على أقل من 6 دولارات في اليوم.
حذر بيطار من وقوع أموال المساعدات القادمة من الخارج في الجيوب الخطأ
ويعتبر لبنان من أكثر دول العالم تباينا في توزيع الثروة حيث يملك الأغنياء ونسبتهم 10% من السكان 70% من الثروة الشخصية في البلد.
وجاء في تقرير المفوضية: “يتوقع ارتفاع نسب الفقر أكثر نتيجة لزيادة التضخم وآثار انفجار بيروت”. وارتفعت قيمة الدولار الأمريكي منذ العام الماضي أمام الليرة اللبنانية بمعدلات كبيرة، خاصة أن الحكومة حافظت على النسبة بين الدولار والليرة كما هي طوال السنوات العشرين الماضية. ورفضت البنوك السماح للمودعين بالحصول على الدولار وظلت تتعامل بسعر الصرف وهو 1507 ليرات للدولار مع أن سعره زاد عن 7.000 ليرة. والنتيجة هي أن إصلاح البيوت يظل خارج نطاق المواطنين لأن المواد اللازمة يجب شراؤها بالدولار. ولا يزال الموظفون يحصلون على رواتبهم بالعملة المحلية.
وتقول البرفسورة بالجامعة الأمريكية منى فواز: “سيكون الطريق للتعافي مهلكا” و”الخوف هو أن تؤدي عملية إعمار ما بعد الانفجار لتقوية نفس القوى التي قادت لتدمير أحياء بيروت في المقام الأول”. ويشير معظم اللبنانيين إلى عملية تطوير وإعمار بيروت ما بعد الحرب من خلال شركة سوليدير كمثال تحذيري. وأصبح الملياردير اللبناني رفيق الحريري أكبر مساهم في سوليدير حتى عندما كان رئيسا للوزراء. ويقول النقاد إن الشركة أخرجت سكان الأحياء من خلال التحرش والاستفزاز. ويضيف بيطار: “طردت سوليدير أصحاب الأراضي وخلقت مركز مدينة حديثا، يختلف بالكامل عن المدينة القديمة”.
واليوم لا تزال معظم البيوت في المنطقة فارغة وتحولت المشاريع لمصدر حنق وبدأت منها التظاهرات المعادية للحكومة نهاية العام الماضي. وفي زيارة لمساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون السياسية إلى لبنان هذا الشهر، قال ديفيد هيل إن أمريكا لن تقدم دعما طويل الأمد للحكومة اللبنانية حتى تبدأ بإصلاحات حقيقية. وقال إن السياسيين في لبنان “تجاهلوا مسؤوليتهم تجاه الناس وقاوموا الحاجة للإصلاحات الأساسية والعميقة”. ودعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي زار لبنان بعد الانفجار إلى نظام سياسي جديد حتى يتم دعم البلد وإلا ظل لبنان يغرق.
نقلا عن القدس العربي