متى يكون وقف إطلاق النار ليس وقفا لإطلاق النار؟ ربما عندما يسمح لطاغية موغل في الدماء بالاستمرار في إلقاء البراميل المتفجرة على شعبه الثائر. اتفاق وقف إطلاق النار الشامل المفترض أنه تم التوصل إليه في سوريا ينتمي إلى فئة خاصة من العبث.
أصدقاء بشار الأسد الروس ربما يكونوا متأكدين تماما أن الهدنة التي وقعت في ميونخ لن توقف أي جهة من مهاجمة “الإرهابيين”, والدكتاتور مصر وبشكل قاطع أنه لم يقم بأي شئ آخر سوى ذلك.
بعد كل شئ, يصف الأسد كل سوري يعارضه بانه “إرهابي”. وهكذا فإن المنطق الوحيد لذلك هو أن العمليات ضد الإرهابيين أمر مسموح به, وكل أعداء الأسد إرهابيون, ولهذا فإن هجوم النظام يمكن أن يستمر كالعادة.
ربما يكمل الأسد الآن حصار حلب ويدمر آخر جيب في شمال سوريا يسيطر عليه المتمردون المعتدلون من غير الإسلاميين, مع ترافق ذلك بالقصف الروسي من الجو والقوات البرية الإيرانية على الأرض, وكل ذلك يجري و هناك ادعاء بالتزام بالهدنة. كمثال على الدبلوماسية في أعلى درجات السخرية, فإن وقف إطلاق النار الذي توصل إليه في ميونخ لا يخص سوى نفسه.
في الحقيقة, الأحداث الأخيرة في سوريا لا زالت تثير مزيدا من القلق. المأساة التي تتكشف فصولها حاليا في وحول حلب تفرض تهديدا مباشرا على أمن أوروبا, أضف إلى ذلك مخاطر الإرهاب مع خطر اندلاع مواجهة بين الناتو وروسيا.
نميل إلى ربط الخطر الأخير مع أكثر اعضاء الناتو تعرضا للخطر وإمكانية أن يغزو فلاديمير بوتين دول البلطيق. ولكن علينا أن لا ننسى أبدا أن تركيا هي الأخرى جزء من الناتو.
هدد الرئيس رجب طيب أردوغان فعلا بإرسال الجيش التركي إلى الحدود مع سوريا, وذلك لتحقيق هدفين يتمثلان في منع إلحاق هزيمة بحلفائه من المتمردين وإنشاء منطقة عازلة على طول الحدود. بافتراض أن أردوغان سوف يمضي قدما في نشر قواته في سوريا فإن الخطر الرئيس هو ان روسيا سوف ترد بشن ضربات جوية ضد القوات التركية.
ما مدى واقعية السيناريو التالي؟ بعد قصف روسيا القوات التركية داخل سوريا, فإن أردوغان سوف ينشر قواته الجوية لحماية وحداته البرية وسوف يسقط ثلاث طائرات ميغ روسية. وبالتالي سوف ترد روسيا بصورة مباشرة من خلال ضرب القواعد الجوية داخل تركيا التي استخدمت لإسقاط طائرات الميغ.
بعد أن يتم سحق قواعده الجوية بقنابل الكرملين, سوف يعلن أردوغان إن تركيا تواجه اعتداء من روسيا. ومن ثم سوف يطالب بمساعدة من حلفائه وفقا للمادة الخامسة من معاهدة شمال الأطلسي, التي تنص على أن أي هجوم مسلح ضد أحد أعضاء الناتو يعتبر هجوما ضد جميع الأعضاء.
بصراحة, يمكن أن يدعونا أردوغان للاختيار ما بين الذهاب إلى الحرب مع روسيا أو تمزيق ضمان مصداقية الأمن الجماعي الذي يعد بمثابة حجر أساس للناتو. كيف يمكن لنا أن نتعامل مع هذا الموقف؟
عندما يتعلق الموضوع بالإرهاب, فإن الجماعة الوحيدة التي هاجمت أوروبا –الدولة الإسلامية في العراق والشام- هي أيضا الجماعة المسلحة الوحيدة في سوريا التي تتمتع بحصانة من هجمات الأسد وروسيا. لا تزال استراتيجية الدكتاتور على ما كانت عليه دائما, خاصة فيما يتعلق بسحق كل عدو عدا داعش وبالتالي إجبار الغرب على الاختيار.
ولكن هناك خطر كبير في هذه الخطة غير الأخلاقية. الملايين من السوريين سوف يجبروا على اتخاذ هذا القرار الرهيب. أي الطرق سوف يسلكها سكان البلاد من الغالبية السنية؟ إذا أجبروا على الوقوف إلى جانب المتعصبين السنة من داعش من ناحية, أو إلى جانب الدكتاتور العلوي الذي ذبح أبناء جلدتهم بمساعدة من إيران الشيعية وروسيا المسيحية, فكم هو العدد الذي سوف يقف خلف الجهاديين.
وماذا عن المتمردين العالقين بين كماشة الأسد؟ منذ بداية الصراع, حارب الشباب إلى جانب أحد الجماعات المسلحة ومن ثم انحازوا إلى أخرى, وتنقلوا بين الميليشيات, وبين المتمردين الإسلاميين وحتى داعش. القاعدة العامة الوحيدة هو أن أي جماعة تواجه مشكلة تميل إلى فقدان مجنديها.
بدلا من مواجهة خطر الهزيمة, وفي أفضل الأحوال, رعب سجون الدكتاتور, فإن الكثير من المقاتلين المعتدلين حاليا ربما يتجهون صوب داعش. إذا حصل ذلك, فإن داعش ربما تظهر كأحد الجهات المنتصرة بعد انتصار الأسد الذي ربما يكون قريبا في حلب – وهو الأمر الذي يتمناه ويطلبه, لأن البناء على وجود الإسلاميين شكل استراتيجية النجاة بالنسبة له. ولكن ربما يتعين على أوروبا بعد ذلك أن تتعامل مع خطر قد يكون أكبر من الإرهاب.
فجأة, أصبحت أكبر المخاطر التي نواجهها تقترب منا في السهول الموجودة في شمال حلب.