يطرح بعض السوريين المشاركين في اللجنة الدستورية، من المحسوبين على المعارضة أو المجتمع المدني من حصة المعارضة، فكرة وجود غرفتَي برلمان، أو برلمان من مجلسين، وهذه الفكرة ليست من بنات أفكارهم، بل مستقاة من تجارب دولية سابقة، بحث تفاصيلها حول سورية والعراق أخيرًا باحثٌ عراقي، اقترح حلولًا لسورية والعراق عبر إيجاد برلمان مكوّن من مجلسين، في كلّ منهما.
هذه الفكرة قدّمها الأكاديمي العراقي المقيم في هولندا عصام الخفاجي، مستشار برنامج الأمم المتحدة للتنمية للشأن السوري، في بحثٍ مُطوّل صدر عن مبادرة الإصلاح العربي قبل نحو ثلاثة أعوام. وقد شدد الخفاجي، المختص بالعلوم السياسية والاقتصادية، على خطورة أن يبقى نظام الأقلية حاكمًا، وعلى خطورة أن تُوصل الانتخابات ممثلي الأغلبية إلى السلطة التشريعية، خاصة في بلدين متنوّعين في القوميات والطوائف والأديان، مثل العراق وسورية، وأكّد أن ذلك سيؤدّي إلى خلل في النظام التشريعي والبرلماني، وقدّم رؤية جديدة تقتضي استناد السلطة التشريعية إلى نظام المجلسين، الأول للنواب والثاني للشيوخ، وأوضح أن مثل هذا النظام يتوافق مع ظروف العراق وسورية، حيث يتم الخضوع لممثلي الأغلبية في مجلس النواب من جهة، ويتم تمكين الأقليات من أن يكون لها رأي مؤثّر في صنع القرار الوطني، ويضع قيودًا على استبداد الأغلبية الطائفية أو القومية العددية.
وأوضح الباحث أن استمرار العنف والفوضى في العراق، والشلل الذي تعانيه مؤسسات الدولة، أثبت أن انتخاب مجلسٍ للنواب بطريقةٍ توصل الأغلبية العددية للمجلس، ليس ضمانة كافية لقيام نظام سياسي ديمقراطي، وشدد على ضرورة وجود مؤسسات وآليات تمنع استبداد هذه الأغلبية، وتضمن لمكونات الأمة كافة حقها في التشريع والحكم وإدارة شؤون الدولة.
وركّز الخفاجي في بحثه على طريقة التعامل مع التنّوع القومي والديني والمذهبي في العراق وسورية، و”المحاصصة الطائفية” التي تحكم العراق ما بعد البعث، وقال إن نظام المجلسين “لن يقضي على الحذر المتبادل بين القوميات والطوائف الدينية والمذهبية في المدى القريب، لكنه سيضع قيودًا على استبداد الأغلبية الطائفية أو القومية العددية”، كما نبّه إلى أن الدستور العراقي الذي تم إقراره عام 2005 يشترط مثل هذا الحل، حيث تنص المادة 48 منه على أن “تتكون السلطة التشريعية الاتحادية من مجلس النواب ومجلس الاتحاد”، وهو مجلس يضم ممثلين عن الأقاليم والمحافظات، وانتقد عدم تنفيذ هذا النص الدستوري بعد إحدى عشرة سنة من إقرار الدستور، وقال إن هذا دليل على أن مبدأ مجلس الشيوخ سيواجه برفض من أي أغلبية برلمانية في العراق وسورية.
وأكّد الباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن أن هناك استقطابًا حادًا بين أبناء الطوائف والقوميات في هذين البلدين، أي سورية والعراق، أدى إلى اتخاذ النضالات الهادفة إلى إسقاط نظامَي البعث أبعادًا مشّوهة أنتجها واقع مشّوه، وانتقد جزءًا من المعارضات، لأنها كرّست هذا التشويه لكونها مستفيدة منه، وقال إن العالم العربي والمنطقة لم يشهدا نُظمًا أكثر وحشية من النظامين البعثيين في العراق وسورية، حيث إن “وحشيتهما لم تقتصر على العدد الهائل ممن فقدوا أرواحهم أو الذين تعّرضوا للتعذيب في السجون أو المنفيين، بل في كونهما شوّها الوعي السياسي لجيلين، من خلال غسيل دماغ مارسه نظام الحزب الواحد، ونشر الرعب عبر تحكّم أجهزة المخابرات وتغلغلها في كل مفاصل المجتمع”، ولفت إلى أن هذه الوحشية قادت إلى اعتياد العراقيين والسوريين على ثقافة تتفنّن في التعصب والقسوة مع من لا ينتمي إلى هّوياتهم وشوّهت الوعي.
وبحث في تجربة العراق البرلمانية التي قالت إن “ديمقراطية الأغلبية في العراق، بإيجابياتها القليلة وسلبياتها الكثيرة، تُقدّم دروسًا غّنية يستفيد منها السوريون، إذ رأى أن القوى الإسلامية السنّية ستفوز في أي انتخابات مقبلة بأغلبية مقاعد البرلمان، نتيجة فقر الثقافة السياسية، وسياسات النظام الإفقارية، وانتشار السلاح، فضلًا عن أن العملية الانتخابية ستجري قبل قيام المؤسسات غير المُسيّسة الضرورية لإحلال الديمقراطية.
وشدد على أن المدخل لكبح استبداد الأغلبية هو نظام البرلمان ذي المجلسين، ووصفه بـ “الحل السحري”، للجمع بين مبدأي الديمقراطية الأساسيين: الخضوع للأغلبية وتمكين الأقلية من أن يكون لها رأي مؤثر في صنع القرار الوطني، ولفت إلى أن المجاميع السكانية المنتمية إلى قومية أو طائفة معيّنة في العراق وسورية تنزع للعيش في مناطق تكون غالبيتها السكانية، مّما يعني أن تمثيل المحافظات في مجلس الشيوخ هو تمثيل للطوائف أو القوميات.
وقال إن مجالس الشيوخ في الجمهوريات الديمقراطية تلعب دورًا بالغ الأهمية في الحفاظ على وحدة تلك البلدان، بوصفها كابحة لطغيان الأغلبية العددية، ذلك أنها تتشكل على العموم كهيئات لتمثيل مناطق البلد، وإعطاء كل منطقة صوتًا مساويًا للمناطق الأخرى بغض النظر عن عدد سكان كل منطقة.
ولضمان أن يكون مجلس الشيوخ مُرسخًا للنظام الديمقراطي، يجب وضع تفاصيل حول صلاحياته ووظائفه، ومن ضمنها التصويت في جلسة مشتركة مع مجلس النواب على منح الثقة للحكومة ورئيسها، وكذلك إقرار القوانين المصادق عليها من قبل مجلس النواب مع حقه بإعادتها لتعديلها، وفي حالة الاختلاف يتم التصويت في جلسة مشتركة بين المجلسين، وهو ما يضمن تأثير الأغلبية، وأيضًا انتخاب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء في جلسة مشتركة مع مجلس النواب.
عن تركيبة هذا المجلس، اقترح الباحث مجموعتين: الأولى “المجموعة النوعية” التي تُشكل 20 بالمئة من الأعضاء من ممثلي المهن والفعاليات والمنظّمات والنقابات والفنّانين والأكاديميين، أما المجموعة الثانية التي تُشكّل 80 % من الأعضاء، فهي من يُمثّل المحافظات، لكنّه اعترف بأن اختيار هؤلاء، في ظل التعقيدات الاجتماعية في العراق وسورية، أمرٌ معقد، حيث ينجح في مجلس النواب عدد من المرشحين يتناسب مع التوزيعة الطائفية والعرقية، ما يُنتج أزمة مستعصية في عمل الدولة، وشدد على أن سورية ستواجه مشكلة أكثر تعقيدًا، خاصة أن العرب السنّة يمثلون أغلبية تقارب ثلثي السكان، ولا تقابلهم كتل قومية أو مذهبية أو دينية كبيرة، يمكن أن تحدّ من سيطرتهم على السلطة التشريعية أو التنفيذية، كما هي حال العراق.
وشدد على ضرورة تخصيص مقاعد انتخابية للأقليات في المحافظات التي يطغى عليها لون طائفي أو قومي واحد، ففي سورية لا بد من تخصيص مقاعد للمسيحيين في دمشق واللاذقية وحمص وحلب وحماة، وللأكراد في حلب، وللدروز في القنيطرة، فضلًا عن ضرورة إعادة رسم الحدود الإدارية لبعض المحافظات.
ربما تكون فكرة البرلمان ذي المجلسين فكرة صائبة، لكنها أيضًا، ككل الأفكار التي تطرحها المعارضة، بعيدة من التحقق، لأن النظام السوري وحلفاءه يدفنون كل فكرة صائبة في مهدها، وهذا ما عوّدوا عليه الشعب السوري خلال ثماني سنوات.
نقلا عن شبكة جيرون الإعلامية