خلاصات اجتماع فيينا بالأمس لم تخالف التوقعات والقراءات التي سبقته.. ويصحّ الافتراض ان عشرين اجتماعاً آخر مثله لن توصل الى نتيجة معاكسة طالما أن موازين القوى ميدانياً على حالها.
لكن يصحّ الافتراض أكثر، ان اجتماع فيينا هذه المرّة لا يختلف عن المحاولات السابقة في جنيف في الشكل فقط لجهة مشاركة إيران للمرة الأولى في جهود “البحث عن حل”! إنما يختلف في المضمون لجهة كونه يأتي غداة المحاولة الأخطر من قبل حلف الطغاة لتغيير الواقع الميداني ووضع قوى المعارضة وداعميها أمام حقائق خرائطية جديدة لا يمكن إغفالها.
وهذا ليس أمراً بسيطاً، باعتبار ان الانقضاض الروسي الذي يُقال انه “فاجأ” واشنطن بصخبه وناره وكثافته، حصل تحت عناوين كبيرة وسيناريوات “تحريرية” أكبر، لكنه سرعان ما اصطدم بحائط الصدّ الميداني، فعاد المنقضّون للاستدارة الى حائط “الحل السياسي” من دون توقع أي تغيير في النتيجة أيضاً.
وذلك يعني، ان محور الطغاة هذا جرّب معظم أسلحته ولم ينجح! والدخول الروسي، في ذاته، ليس سوى التعبير الدقيق عن ذلك المعطى بحيث انه ما كان وارداً، لو أن أدوات السلطة الأسدية وكل المدد المذهبي الذي ترعاه وتقوده وتدعمه إيران، نفع في وقف الانحدار والاندحار أمام شعب سوريا والفصائل المعارضة والمقاتلة على مدى أربع سنوات ونصف السنة.
ولهذا تتمة لا بد منها: ما كان ذلك كله في أصله وفصله ليحصل بهذه الطريقة المرعبة والتدميرية والدموية والكارثية لو لم تكن سياسات مستر أوباما في عالم آخر! ولو لم تكن محكومة باعتبارات كثيرة آخرها يتعلق بالمعطى الانساني الخاص بالنكبة اللاحقة بالسوريين.. ولو لم تكن مبنية على حسابات، لم يستطع استيعابها اساطين في الادارة الأميركية ذاتها. وخصوصاً لجهة انكشافها بشكل يلغي مسبقاً أي استثمار ناجح لها! حتى في سياق التفاوض النووي مع الإيرانيين.
أي انها، وتحت سقف الانتهازية المحضة، لم تكن تلك الحسابات لائقة بأداء أكبر وأخطر دولة على وجه الأرض. وذلك في زبدته، أوصل سيد الكرملين الى الاستطراد في التحدي من القرم الى أوكرانيا الى ضفاف المتوسط في سوريا، مع معرفته المسبقة، بأن “صنوه” الأميركي شاطر في الثرثرة أكثر من أي شيء آخر.. وطول اللسان لا يعوض النقص في الميدان! ولا يؤخذ في الحسبان في عالم متوحّش الى هذا الحد، وأمام طموحات فالتة الى هذا القدر من قبل أصولية إحيائية دينية إيرانية من جانب، وأصولية إحيائية قومية روسية من جانب آخر!
لكن الفارق بين طرفي الاشتباك الضاري الخاص بسوريا، هو أن محور الطغاة جرب كل أسلحته ومناوراته، في حين أن المحور المقابل لم يستطع، تبعاً لمنطق أوباما الاستنكافي، سوى تقديم الحد الأدنى من الدعم الذي منع سحق ثورة السوريين أو إلحاق هزيمة منكرة بفصائلها المقاتلة.
.. اليوم، هناك شيء آخر: غداة مؤتمر جنيف الأول سرت رواية إضعاف قوى المعارضة لجلبها غصباً عنها الى طاولة “التسوية”. وكانت لذلك تبعات ميدانية تمحورت حول مواقع كثيرة منها حمص والقصير. وحول الاستمرار في منع وصول اسلحة نوعية الى المقاتلين. والامتناع عن “إقرار” أي عملية عسكرية كبيرة قد تهدّد السلطة الأسدية جدّياً! لكن بعد اجتماع فيينا هذا، انقلبت الآية.. وذلك يعني توقع مرحلة عاصفة لتعديل خريطة المواجهة الى حدّ يتقن الأسد بأن الانقضاض الروسي لم يغيّر حتمية انتهاء سلطته وبطانته، بل فعل العكس.. ومهم جداً، في هذا السياق، العودة الى ما قاله وزير الخارجية السعودي عادل الجبير مراراً، من أن إخراج الأسد سيتم بالقوة العسكرية إذا لم يتم نتيجة تسوية سياسية…
المستقبل