مصالح مختلفة، رواسب الماضي، غياب زعامة واضحة تقود خطوات عسكرية وسياسية وعدم قدرة على الاتحاد في وجه داعش والإرهاب. كل هذه معا هي العوامل المركزية لضعف الغرب في مواجهة الإرهاب المتطرف الذي داعش هو جزء منه فقط.
رغم التصريحات والخطوات العسكرية غير الناجعة، فقد أمسك الغرب متلبسا بعريه أمام منظمات كان يمكن هزيمتها فقط لو أن زعماء العالم الحرب أرادوا ذلك. غير أن في هذه الأثناء، التخوف من الثمن لعملية منسقة من جهة ومن جهة اخرى ايديولوجيا المسالمة لدى ادارة اوباما تركا الساحة الدولية لروسيا بقيادة بوتين.
وبوتين يعمل بالفعل. قرار الرئيس الروسي التدخل العسكري في ما يجري في سورية حطم موقف الدول الغربية في نظرها الى ما يجري في منطقتنا، انطلاقا من الايمان بان تتوقف منظمات الارهاب قبل حدود الغرب الشبع. اما بوتين فشخص ضعف الغرب، والولايات المتحدة على رأسه، الفرصة لتحقيق أماني ومصالح جغرافية سياسية في الشرق الاوسط، وأمر بالعمل عسكريا. ليس عندي نية لان أتنبأ بالمستقبل، ولكن حسب انماط عمل بوتين من الماضي، يمكن الاستنتاج بان وجهة روسيا نحو مواجهة طويلة في نهايتها تحقق برأيها اهدافها. وسواء نجح بوتين في رهانه أم لا واضح ان الدول الغربية تنجر وراءه.
لشدة المفارقة، فان الهجمات الارهابية في فرنسا وفي كاليفورنيا تساعد بوتين على تبرير تدخله في ما يجري في سورية. وقد سبق لبوتين ان المح بان عجز الغرب عن العمل بشكل قاطع ضد التطرف هو الذي أدى الى أعمال الارهاب القاسية في هذه الاماكن. وهكذا يكتسب معقلا سياسيا في الرأي العام في اوروبا وفي العالم كمن جاء ليخلص الجميع من الارهاب المتزمت.
وهذه بالضبط هي نقطة الالتقاء بين بوتين وبين الاحزاب اليمينية المتطرفة في اوروبا، والتي تتطلع هي ايضا الى هزيمة المتطرفين، ولا سيما من خلال طرد المهاجرين المسلمين من الاراضي الاوروبية. وحتى المرشح الجمهوري للرئاسة الاميركية، دونالد ترامب، وقع في ذات فخ العسل لبوتين، في مجرد دعوته لوقف دخول المسلمين الى اميركا.
بالنسبة لبوتين، هذا دليل على ضرورة وقف الارهاب في بيته، أي في سورية وفي العراق، ومنع انتقاله الى الغرب من خلال الهجرة الجماهيرية.
من يعمق قراءته ويتعلم ما هي الاجواء في دول اوروبا الشرقية والبلقان بالنسبة للمهاجرين سيفهم كم هي الكراهية اللاذعة لهؤلاء اصبحت واقعا. في هذا الوضع فان النهج المتصالح بعض الشيء لدى اوباما وزعماء الغرب لن يساعد في توثيق العلاقات. فالهجمات الجوية التي تخوضها الولايات المتحدة وبعض من شركائها هي هجمات باعثة على الهزء، بل ومهينة لزعامتها.
ويقال على رؤوس الاشهاد: اقوال التهدئة من اوباما في أن داعش يتلقى قصفا شديدا وأن مصيره ان يهزم، ليست سوى اوهام. وهذا بالضبط هو المثال الذي يجسد لماذا بهذه السهولة الشديدة أخذ بوتين الخيوط لقيادة الكفاح من خلال ادخال الكثير من القوات الى المنطقة.
في هذه الاثناء، فإن التلعثم الغربي كفيل بأن يحقق الهدف المركزي لموسكو في سورية: إبقاء الأسد في الحكم وهكذا فرض نفوذها على المنطقة بأسرها. اذا كان هذا ما سيحصل، فان مصالح العالم الحر والغرب ستكون في خطر كبير. وفضلا عن ذلك، فكلما كان العالم مشغولا الان بالتطرف وبالخوف من الارهاب، هكذا يسهل عليه جدا تخفيف العقوبات التي فرضت على روسيا بسبب ما فعلته في اوكرانيا، في جورجيا وفي شبه جزيرة القرم.
تشيلو روزنبرغ – الغد الاردنية