ومنذ يوم الخميس الماضي تشهد المدينة حالة احتقان شديد، تعد امتداداً لحالات سابقة مماثلة تختلط فيها العوامل الطائفية بالأمنية والمليشياوية. ففي عصر ذلك اليوم، قُتل ثلاثة أشخاص في مزرعة شمالي المدينة، اثنان منهما من الطائفة الإسماعيلية، وأصيب عدد آخر بجروحٍ، على يد شخص يدعى وليم ديب وأخوه عيسى ديب، وهما من الطائفة العلويّة، ومن أصحاب النفوذ في مليشيات “الدفاع الوطني”، ومجموعة آل سلامة، أكثر المجموعات المسلحة في المدينة شهرة بأعمال التشبيح والسرقة والاختطاف.
يوضح الناشط والإعلامي بسام يوسف، لـ”العربي الجديد”، أن “ثلاثة عناصر من شبيحة مصيب سلامة، عُرف منهم الأخوان وليم وعيسى ديب، حاولوا سرقة بيت علي السنكري، وعند وصولهم إلى البيت وجدوا على الباب كلباً للحراسة، هاجمهم فقتلوه، ولم يكن السنكري في بيته حينها، لكنّ زوجته الموجودة في الداخل اتّصلت به، فقدم على الفور، وصادف أنه كان برفقته شاب آخر هو كنان أبو قاسم، وعند وصولهما إلى البيت، تشاجرا مع الشبّيحة، فقام وليم ديب بإطلاق النار من سلاحه، ما أدّى إلى مقتلهما، إضافة إلى مقتل شابّ ثالث، لا علاقة له بالحادثة، من عائلة إبراهيم كان يشاهد ما يجري”.
وحسب تقرير أعده مركز الجمهورية للدراسات، فإنه ومع تصاعد التوتر، توجّه نحو 200 شاب من الطائفة الإسماعيليّة ينتسبون بغالبيتهم إلى “الدفاع الوطني” من قراهم حول المدينة إلى داخلها، استعداداً لأية معركة مع آل سلامة الذين استقدموا مزيداً من الأسلحة إلى مواقعهم في حي ضهر المغر، بينما سيّرت أجهزة الأمن التابعة للنظام دوريات في شوارع المدينة لمحاولة منع التصادم بين الطرفين، كما عمدت السلطات إلى قطع شبكة الإنترنت عن المدينة.
وكانت المدينة التي يشكّل أتباع الطائفة الإسماعيلية نحو 65 في المائة من سكانها (25 في المائة من السنّة، والبقية علويون ومسيحيون)، شهدت احتكاكات مماثلة العام الماضي، خصوصاً بعد مقتل علي مخلص عيد في جبهة حلب، وهو قائد سابق لمليشيا “صقور الصحراء” في مدينة السلمية، وقيل إنه كان يحاول تشكيل مجموعة مسلحة تعتمد على الطائفة الإسماعيلية لمواجهة مليشيا آل سلامة، لكنه أُبعد إلى حلب حيث قتل هناك.
وقد خابت آمال أهالي المدينة مع إقدام السلطات على “تسوية أوضاع” مئات الشبيحة الذين تم اعتقالهم في الأشهر الأخيرة من العام الماضي على خلفية جرائم قتل وسرقة وخطف، بعد أن راجت شائعة بأن النظام بصدد التخلّص من مليشيا “الدفاع الوطني”، وتشكيلٍ جسم عسكري آخر، يكون ولاؤه لروسيا، وليس لإيران كما هو حال هذه المليشيا. ومما يؤشر إلى مستوى الفساد والفوضى في المدينة، أن السلطات اضطرت إلى إعادة الحواجز إلى الطرق المحيطة بالمدينة، التي كانت قد أزالتها مطلع مارس/ آذار الماضي، وذلك بعد قيام نحو 150 عنصراً من “الدفاع الوطني” بتسليم سلاحهم احتجاجاً على هذا القرار، متذرعين بأن رواتبهم لا تكفيهم، وهم بحاجة إلى الرشاوى التي يتقاضونها من خلال سيطرتهم على هذه الحواجز.
ويشير يوسف إلى أن “هذه المجموعة ضمت في البداية مجموعة من العلويّين الموجودين في السلمية من عائلة حمدان ومن عائلة دردر وغيرها، وجرى أيضاً التنسيق مع شبّيحة آخرين، ومعظمهم من منطقة الصبّورة”، مشيراً إلى أن “النظام، وبالتنسيق مع الآغا خان (المرجع الإسماعيلي الأعلى في العالم)، استطاع جر “المجلس الإسماعيلي الأعلى” إلى جانبه، وكلّف المدعو فاضل وردة، بتشكيل مجموعات مسلّحة من شباب السلمية، عملت على استباحة المنطقة نهباً وخطفاً، في حين أقام مصيب سلامة حاجزاً على طريق الرقة الدولي، أذاق العابرين أبشع أنواع الإذلال والنهب والسرقة”.
ويلفت يوسف إلى أن “كل سكان منطقة السلمية، كانوا مستباحين أمام هذه العصابات، بمن فيهم العلويّون، فاختطفت هذه العصابات الكثير من أهالي المنطقة من أجل الفدية، وقتلت الكثير منهم، وفرضت الخوّات، وأهدرت دم المعارضين”. ويشير إلى أن “النظام سحب يده من السلمية بشكل مباشر منذ ثلاث سنوات، وسلّم إدارتها للشبّيحة”، مؤكداً أن “المدينة لن تهدأ قبل انتهاء الدور القذر الذي تقوم به عصابات الدفاع الوطني والتي يتزعّمها مصيب سلامة وغزوان السلموني وفاضل وردة”.
العربي الجديد