قالت صحيفة غارديان البريطانية إن الانهيار الاقتصادي “الكارثي” الذي يعيشه لبنان بدأ يتسارع بسبب تهاوي سعر العملة المحلية والارتفاع القياسي لأسعار المواد الأساسية وتعثر مساعي إطلاق خطة للإنقاذ نظرا لإصرار الطبقة الحاكمة على التمسك بنظام سياسي آيل للسقوط.
وذكر مسؤولون لبنانيون وعضوان في فريق قاد مفاوضات مع صندوق النقد الدولي في محاولة لتقديم مليارات الدولارات من المساعدات المالية للبنان للصحيفة، أن شبكات المحسوبية التي أدارت الدولة وأغنت قادتها ينظر إليها على أنها أهم من حماية البلد من خطر الانهيار.
ونقلت الصحيفة عن أحد “كبار” السياسيين اللبنانيين، “عندما يختصر المشهد الآن، فإنها فعلا ساعة الحساب.. إذا دمرت ما تم بناؤه منذ سنوات الحرب الأهلية، فنحن نستعد لدخول غمار صراع آخر، ويمكن للأمر أن يجعل من عام 1982 يبدو وكأنه عرض جديد”.
لقد وصلت حالة اليأس بسبب المأزق الذي دخلت فيه البلاد -بحسب الصحيفة- إلى ذروتها خلال الأسبوعين الماضيين، خاصة بعد أن دق صندوق النقد الدولي ناقوس الخطر بشأن المحادثات المتوقفة التي يمكن أن توفر ما يصل إلى خمسة مليارات دولار من المساعدات المالية، وتمهد الطريق لمساهمات من كل من فرنسا والاتحاد الأوروبي ودول الخليج، التي ترتبط جميعها بمصالح مع لبنان لكنها أصبحت حذرة من ضخ مزيد من الأموال في الاقتصاد اللبناني.
وترى الصحيفة أن إصلاح نظام المحسوبية الذي قوّى من شوكة “أمراء الحرب” بعد نزاع أهلي دام 15 عاما، وحوّل جميع مؤسسات الدولة إلى ما يشبه “الإقطاعيات”، أضحى مطلبا رئيسيا من قبل صندوق النقد والمجتمع الدولي.
وقال دبلوماسي أوروبي رفيع “لم نعتقد أن الأمر سيكون صعبا.. كنا نتوسل إليهم أن يتصرفوا كدولة طبيعية، لكنهم يتصرفون معنا وكأنهم يبيعوننا سجادة”.
وقال دبلوماسي كبير آخر رفض الكشف عن اسمه “لم يعد للبنان أي بريق.. يبدو الآن وكأننا أمام دولة فاشلة”.
وتؤكد غارديان أن كيفية معالجة جراح لبنان تبدو واضحة بالنسبة لأولئك الذين خرجوا إلى الشوارع في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حين دعوا إلى إصلاح شامل لنظام متحجر أضعف البلاد من خلال تعزيز سلطة الفساد، وحرمهم من فرص النجاح على أساس الاستحقاق وحولهم إلى مجرد “رعايا”.
ويقول محمود سليمان -وهو نجار من بلدة شكا في شمال لبنان- “لم أستطع الحصول على وظيفة بناء على الجدارة في سبتمبر/أيلول الماضي.. وأنا متأكد تماما أنني لا أستطيع الآن. حتى ولو ذهبت إلى القائد السني بالمنطقة، لا يمكنهم المساعدة لأنه لا يوجد عمل.. وهم لا يريدون المساعدة حتى ولو استطاعوا، فهمهم الوحيد هو مصالحهم الخاصة.. هذه هي الحال دائما في لبنان”.
وتقول شانتيل أبو زيد -صاحبة متجر في ضاحية سن الفيل في بيروت- “لقد قمت بتغيير أسعار الباركود ثلاث مرات فقط خلال هذا الأسبوع.. هذا كل ما أفعله، لأنه لا أحد يشتري”.
وقد استمر تهاوي الليرة اللبنانية بشكل متصاعد منذ يوم الجمعة الماضي حيث وصل إلى حوالي 10 آلاف للدولار الواحد، في مقابل معدل 1500 ليرة للدولار مطلع تسعينيات القرن الماضي.
ولعل ما يثير القلق بهذا الخصوص -تؤكد الصحيفة- هو أن لا سقف محددا لانهيار الليرة اللبنانية، لأنه لا شيء يمكن أن يولد الثقة مجددا في اقتصاد البلاد المنهار.
ويقول ألبرت لطيف المستشار في مجال إدارة المقاولات، “طالما أن الدولة لا تعمل، فكل دولار يتم ضخه في النظام يتم ابتلاعه تلقائيا.. ينظر لضخ الدولارات على أنه إستراتيجية إنقاذ لكن لا يمكنني أن أتصور أن ذلك سيبطئ الانهيار.. لقد ذهبنا بعيدا جدا”.
بدوره، يؤكد شربل ميلاد، من جونيه شمالي بيروت للصحيفة أنه “من الخطأ الحديث عن أحزاب دون أخرى هنا، لأن ذلك سيؤدي بك إلى مشاكل.. الأكيد أن وقت المحاسبة قد حان.. لماذا يسمح للأشخاص الذين وضعوا البلاد في هذا المأزق بالإفلات؟ على نظام المحسوبية القائم أن يتوقف وكذلك الأحزاب التي وضعت مصالحها الضيقة فوق مصالح الدولة”.
نقلا عن الجزيرة