أكدت مصادر سياسية لبنانية مطلعة أن تطورات الساعات الأخيرة في بيروت تكشف عن حملة جديدة من الضغوط يمارسها حزب الله وحلفاؤه لإجبار رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري على القبول بصيغ جديدة تفرض تمثيل “سنة 8 آذار” المتحالفين مع الحزب.
يأتي هذا في وقت ينفد فيه التفاؤل الدولي بشأن استقرار لبنان، وهو ما عبرت عنه فرنسا محذرة من أن لبنان قد يخسر المساعدات الدولية إذا استمرت أزمة تشكيل الحكومة.
ولفتت هذه المصادر إلى أن الأجواء التي بثها قصر بعبدا كشفت أن رئيس الجمهورية ميشال عون متواطئ مع حزب الله في ممارسة هذه الضغوط، من خلال التلويح باللجوء إلى مجلس النواب، وصولا إلى التلميح بخيار سحب تكليف الحريري وتعيين بديل عنه.
وكشفت مصادر مواكبة للتطورات الحكوميّة أنّ عون مؤيّد لاقتراح أن تكون الحكومة مكوّنة من 32 وزيرا، وهو ينتظر من الرئيس المكلف جوابا نهائيا عليه، كان ينبغي أن يتبلور من خلال زيارة رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل لدارة الحريري في “بيت الوسط” مساء الخميس.
وقالت بعض المعلومات إنّ هذا الموقف والتلويح بتوجيه رسالة إلى البرلمان وإعادة فتح ملف التكليف، قوبلت كلها بأصداء سلبية لدى أوساط الحريري وأدت إلى فشل الاجتماع بين الحريري وباسيل.
وكان صدر عن مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية، الجمعة، بيان شدد على أن ما نسب إلى رئيس الجمهورية (من تخل عن الحريري) غير دقيق ولا ينطبق مع مواقف الرئيس عون من تشكيل الحكومة.
وأضاف أن “الدستور أعطى النواب حق تسمية الرئيس المكلف وإذا استمر التعثر فيجب وضع الأمر في عهدة مجلس النواب”.
ورأى مراقبون في البيان الصادر عن بعبدا تأكيدا لما كان يندرج ضمن الإشاعات عن عزم عون توجيه رسالة إلى مجلس النواب تتناول مسألة تأخر تشكيل الحكومة.
ونقل عن أوساط مقربة من حزب الله أن الحزب بدأ جديا يناقش خيار التخلي عن الحريري رئيسا للحكومة والتفكير في السبل الدستورية الناجعة لدفع الحريري إلى الاعتذار عن مهمة تشكيل الحكومة.
غير أن هذه المصادر أكدت أن الحزب الذي انقلب على حكومة الحريري عام 2011 ولجأ إلى دعم تكليف الرئيس نجيب ميقاتي بديلا، لا يجد هذه الأيام بديلا مناسبا، خصوصا وأنه يستبعد في الوقت الحالي تسمية واحد من “سنته” المنضوين داخل تكتل “اللقاء التشاوري” في البرلمان.
وتضيف المصادر أن الحزب لا يريد تعيين شخصية سنية مستفزة للشارع السني ولحلفاء تيار المستقبل، وأنه يفضل شخصية وسطية معتدلة تحظى بقبول داخلي كما بقبول عربي ودولي.
وقال ميقاتي، الجمعة، في طرابلس، إنه “يحق لنا أن نسأل، بعد الذي نشهده من تأخير في تشكيل الحكومة، هل نحن أمام أزمة حكومية مفتعلة، عنوانها الصراع على الأعداد والحقائب، أم أنها مناورة سياسية وصراع مصالح ونفوذ لأهداف أبعد من ذلك؟”.
ونشرت وسائل الإعلام اللبنانية توضيحا نسب إلى مصدر مقرب من الحريري قال فيه إن “المسار الذي اتخذته مشاورات الأسابيع الأخيرة في الشأن الحكومي لم يصل إلى النتائج المرجوة بسبب الإصرار على الإخلال بالتوازن وتقليص التمثيل السياسي الذي يضفي شكلا من أشكال الغلبة”.
وأضاف المصدر “الرئيس المكلف كان صريحا بأنه يفضل العمل على حكومة ائتلاف وطني من 30 وزيرا وأن الاقتراح الذي يطالب بحكومة من 32 وزيرا هو اقتراح من خارج السياق المتعارف عليه في تشكيل الحكومات”.
ولفت المصدر إلى أن “توجيه الرئيس رسالة إلى المجلس النيابي لا يصح أن يتخذه البعض وسيلة للنيل من صلاحيات الرئيس المكلف وفرض أعراف دستورية جديدة تخالف نصوص الدستور ومقتضيات الوفاق الوطني”.
وتعتقد مصادر برلمانية أن مسعى حزب الله إلى إسقاط الحريري يبدو مستحيلا داخل الأعراف والتوازنات الحالية، إلا إذا كان الحزب ينوي اللجوء إلى القوة العسكرية على منوال ما ارتكبه في 7 مايو قبل عشر سنوات. وتستبعد المصادر هذا الخيار لخطورته داخل سياق العقوبات الأميركية ضد الحزب، كما التوتر المرتبط بمسألة الأنفاق التي أثارتها إسرائيل في الأيام الأخيرة.
وتؤكد أن حزب الله لا يجد بديلا للحريري من ضمن الأسماء المتوفرة، وأن ضغوطه كما الضغوط التي يمارسها عون تندرج ضمن أجواء تهويل لتخلي الحريري عن رفضه حيال مطالب حزب الله.
وأكد وزير الداخلية نهاد المشنوق في تصريحات له، الجمعة، أنّ “الحريري لن يتنازل، بالنظر إلى ارتفاع التحدي، وتطرف الشروط والمبالغة في المطالب”.
ويعتبر بعض المراقبين أن الضجيج الأخير لا يتجاوز سقوف الاستهلاك المحلي غير المنتج لدى كافة الفرقاء، وأن موقف الحريري ما زال حاسما في رفض أي محاولة لحزب الله للهيمنة على الحكومة من خلاله.
وأضاف هؤلاء أن حزب الله لا يملك حتى الآن الخروج من المأزق الذي سببه موقفه اشتراط توزير واحد من حلفائه السنة للإفراج عن الحكومة الجديدة، مشيرين إلى أن حزب الله الذي أراد أخذ البلد برمته رهينة، أضحى هو نفسه سجين مواقفه.
وفيما يسافر الحريري إلى لندن لحضور فعاليات اقتصادية داعمة للبنان تنظم في 12 من الشهر الجاري، تتوقع المصادر أن تكون للحريري لقاءات تستطلع الرأي الخارجي في السبل الأنجع لحماية لبنان وعدم حرمانه من الوعود التي حصل عليها في مؤتمر “سيدر” للدول الداعمة للبنان والذي عقد في باريس في أبريل الماضي.
ونقل في هذا الصدد استياء عون من سفر الحريري قبل أن تنفي أوساط رئيس الجمهورية ذلك لتؤكد أن استياء عون يتعلق بالتأخر الكبير الذي يتسم به عمل تشكيل الحكومة.
وحذرت فرنسا الجمعة من أن لبنان قد يخسر مساعدات واستثمارات بمليارات الدولارات تشكل حاجة ماسة للاقتصاد المتداعي، ويشهد تراجعا في زخم الدعم الدولي له، في حال تطلّب تشكيل حكومة جديدة وقتا أطول.
ومنذ أكثر من ستة أشهر، لم تثمر جهود رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري تأليف حكومة جديدة، في خطوة يحتاج إليها لبنان للاستفادة من قروض ومنح تعهّد المجتمع الدولي بتقديمها دعما لاقتصاده في مؤتمرات دولية، أبرزها مؤتمر سيدر الذي استضافته باريس في أبريل.
وقال السفير الفرنسي لدى لبنان برونو فوشيه في مؤتمر صحافي عقده على متن فرقاطة فرنسية توقفت في بيروت الجمعة “نأسف بشدة لأنّ أصدقاءنا اللبنانيين غير قادرين على الاتفاق على (تأليف) حكومة”.
ويعوق التأخير في تشكيل الحكومة تنفيذ مشاريع استثمارية كبرى، لا سيما تلك التي أقرّها مؤتمر سيدر بقيمة تفوق 11 مليار دولار.
وحذر فوشيه من أن “عدم وجود حكومة في لبنان يعني المخاطرة بفقدان الزخم الذي أوجده المجتمع الدولي”، مضيفا “سيكون من المؤسف حقا أن يفقد لبنان الفوائد” التي جناها “جراء التضامن الذي تمكّن من حشده، لكونه غير قادر على تأليف حكومة”.
وأضاف “في لحظة ما، فإنّ الشركات التي تبحث عن الاستثمارات.. قد تجد فرصا في مكان آخر”.
نقلا عن صحيفة العرب