يعتبر حصار المدن من أقدم التكتيكات في التاريخ العسكري، فلطالما ارتبط مركز قوة الدولة بمدينة واحدة، ما يعني أن سقوطها كان مرتبطاً بسقوط كل ما هو تابع لها.
التاريخ مليء بالقصص عن الحصارات التي تعرضت لها الكثير من المدن الهامة، والتي انتهت أحياناً بالفشل، وأحياناً بالنجاح الكاسح.
ولشدة ظروف الحصار، نرى الكثير من الأدبيات تناولت الموضوع، بل إن أشهر ملحمة في تاريخ الشعر – “الإلياذة” للشاعر الإغريقي هوميروس – تتحدث عن حصار مدينة طروادة.
فيما يلي، نستعرض أشهر الحصارات العسكرية في التاريخ والتي خُلدت لقسوة الحصار وهول عدد ضحاياه:
1) حصار سيكتوار (1566) – 33 ألف ضحية
تقع مدينة سيكتوار في القسم الشرقي من الامبراطوريّة الرومانيّة، وشهدت آخر معركة للسلطان العثماني سليمان القانوني، حيث حاصروها بعد أن رفض الحاكم الكرواتي نيكولا زيرنسكي الاستسلام والانصياع لأوامر الامبراطورية العثمانيّة، وحاول الصمود مع جنوده الذين بلغ عددهم ثلاثة آلاف بوصفه المدافع الأخير عن فيينا.
استمر الحصار لأكثر من شهر، وقد عرض العثمانيون على زيفنسكي أن يبقى قائداً على المدينة إذا استسلم، لكنه رفض، وحين علم أن الهزيمة وشيكة، أمر جنوده بأن يذبحوا زوجاتهم وأطفالهم، وبقي الجنود يقاتلون إلى أن تمكن العثمانيون من دخول المدينة. أدى الحصار إلى خسارة العثمانيين ما يقارب الـ 30 ألف جندي، ما اضطرهم للتقهقر والتوقف عن غزو أوروبا.
2) حصار نورمبيرغ (1632) – 40 ألف قتيل
كانت تعتبر نورمبيرغ من أشهر المدن التي تتبع المذهب المسيحي البروتستانتي في ذلك الوقت، وقد شهدت حصاراً دموياً، أثناء حرب الثلاثين عاماً، إذ استقرت فيها القوات السويدية بقيادة غوستاف ادولف الذي كان يطارده الجيش الروماني، بالرغم من أن ادولف كان معه حوالي 150 ألف جندي إلا أنه لم يحضر ما يكفي من المؤونة لهم.
وقد استفاد الرومان من ذلك بأن منعوا عن المدينة أي مساعدات، ذات الشيء الذي أصاب جيش الرومان في النهاية، فالجوع وانتشار الأوبئة خلال الأيام الـ 80 للحصار، كانا ذوي نتائج مروعة، فمات حوالي 40 ألف جندياً بسبب الجوع والأمراض، في حين أن ادولف تمكن من الفرار مع رجاله.
3) حصار كييف (1240) – 48 ألف قتيل
تعتبر كييف من أقدم مدن أوروبا والعاصمة الحالية لأوكرانيا. قام المغول بحصارها بعد أن رفضت المدينة الاستسلام، وأعدم حاكمها الرسل الذين قام المغول بإرسالهم، ما دفع باتو خان إلى حصار المدينة وقصفها بالمجانيق.
بعد أن اجتاح المغول المدينة، تمكن حوالي 2000 شخصاً من النجاة من أصل 50 ألفاً، وبعد تدمير المدينة بصورة شبه كلية، انسحب المغول وأكملوا غزوهم تاركين حطامها وخرابها شاهداً للتاريخ.
4) حصار اوستيند (1601) – 65 ألف قتيل
تقع مدينة اوستيند حالياً في بلجيكا، وتعتبر المدينة شاهداً على أحد أطول عمليات الحصار في التاريخ، إذ استمر لثلاث سنوات، فالمدينة التي دافع عنها الإنكليز والهولنديون تعرَّضت للحصار من قبل الإسبان، إثر حرب كانت مستمرة لحوالي 80 عاماً، وقد أدى الحصار الطويل إلى مقتل ما يزيد على 50 ألفاً.
وبعد الحصار الطويل استسلمت القوات الإنكليزية والهولنديّة، ودخل الإسبان المدينة، ونتيجة حجم الدمار الهائل عقد الطرفان هدنة لمدة 122 عاماً بين الطرفين، نتيجة قسوة ما حدث إثر الحصار.
5) حصار بغداد (1258) – 200 ألف قتيل
رأى المغول في الحضارة الإسلامية تهديداً لهم، ما دفع حفيد جنكيز خان، هوليغو خان للتوجه نحو بغداد بأكثر من 100 ألف مقاتل لحصارها وتدميرها، بعد أن رفض الخليفة العباسي المعتصم الاستسلام، وما إن تمكنوا من المدينة ودخلوها قاموا بالذبح والحرق.
ويقال إن الخليفة المعتصم قد تم لفه بسجادة ودهسه بالأحصنة، أما مكتبة بيت الحكمة، التي كانت من أهم المكتبات عالمياً في ذاك الزمان فقد أُحرقت ورميت الكتب التي فيها في نهر دجلة، حتى قال البعض إن الكتب لكثرتها شكَّلت جسراً يمكن لحصان أن يمشي عليه.
6) حصار سابستيبول (1854) – 200 ألف قتيل
استمر حصار المدينة الروسية لأكثر من 11 شهراً، وقد قام بالدفاع عن المدينة ثلاثة جيوش ضد الامبراطورية الروسيّة، وهي القوات الفرنسية والإنكليزية والعثمانيّة، قسوة الحصار كبَّدت الفريقين الكثير من الخسائر، وخصوصاً خلال الشتاء الروسي القارس الذي أدى إلى انتشار الأمراض، فالجيش الفرنسي كان الأكثر تأثراً، إذ إن أغلب جنوده ماتوا بسبب الأوبئة.
بالرغم من ذلك، تمكن الحصن من الصمود، واضطر الجيش الروسي للتراجع، وانتصر الحلفاء.
7) حصار قرطاج (149 ق.م) – 460 ألف قتيل
تعتبر مدينة قرطاج التونسية من أعتى الحصون العسكريّة، وقد شهدت حصاراً دموياً من قبل الامبراطورية الرومانيّة.
وتقسم الحرب مع الرومان إلى ثلاث حروب، ولم تهزم قرطاج إلا في الحصار الثالث، حيث هاجمها الامبراطور الروماني مع 80 ألف مقاتل، في حين أن القرطاجيين بلغ عددهم 90 ألف مقاتل، مع حوالي 400 ألف مدني، وقد بدأ الحصار بعد أن رفض الرومان شروط استسلام قرطاجة.
استمر الحصار ثلاث سنوات، وتمكن بعدها الرومان من دخول المدينة، حيث أحرقوا وقتلوا الكثيرين، أما الـ 50 ألفاً من الناجين فقد تم بيعهم كعبيد.
8) حصار القدس (70 ق.م) – 10 آلاف قتيل
إثر ثورة قام بها يهود القدس، قرر الرومان قمع سكانها وتلقينهم درساً، إذ قام تايتوس فلافيوس على رأس 70 ألف جندي بحصار المدينة، التي كانت تحوي 40 ألف رجل مستعدين للدفاع عنها.
حاول فلافيوس مفاوضة الثوار، إلا أنهم رفضوا، وأعادوا له رسوله جريحاً، فقرر فلافيو إنهاك المدينة وتجويعها، نهايةً تمكن الرومان من اقتحام المدينة، وتم بيع سكانها كعبيد وتدمير بعض معابدها.
9) حصار صور (332 ق.م) – 6 آلاف قتيل
يعتبر حصار الإسكندر المقدوني لمدينة صور الأشهر عبر التاريخ، فالمدينة البحرية المجهزة بشدة لمقاومة الحصار والسور العالي جعلها قلعة متينة، ونتيجة طبيعتها الجغرافية أمر الإسكندر رجاله بأن يبنوا جسراً يصلها مع اليابسة.
ونتيجة القصف المستمر للمدينة الذي استمر 7 أشهر إلى جانب الجسر الاصطناعي، تمكن الإغريق من دخولها، أما خطة الإسكندر لبناء الجسر فقد حولت الجزيرة إلى شبه جزيرة نتيجة ترسب الرمال على ما بناه رجاله من دعائم للجسر.
يذكر أن أطول حصار سُجل في التاريخ كان على يد العثمانيين، عندما أحاطوا مدينة كاندية بكريت سنة 1648، واستمر الحصار حوالي 21 عاماً، حتى استطاعوا في النهاية اقتحام المدينة.
هافينغتون بوست عربي | حامد العظم