لا شك في أن حفل الزفاف الباذخ هذا سيكون محطة في مسيرة “حزب الله” لا توازيها محطات كثيرة امتحنت فيها صدقية خطابه.
لـ”حزب الله” واجهة زجاجية هشة يسهل قذفها بالحجارة، ذاك أن الحزب يتصدر منظومة فاسدة تحكم لبنان، من الصعب عليه أن ينأى بنفسه عن موبقاتها، وأن ينجح في حماية صورته بوصفه حزباً أيديولوجياً مخلصاً لما يزعم أنه امتداد له. ما حصل في أعقاب واقعة حفل زفاف ابنة النائب السابق والمسؤول في “حزب الله” نوار الساحلي، أصاب الحزب بما لم تصبه به خصوماته الممتدة على مساحة الطوائف والمذاهب والملل في لبنان والمحيط. فالحزب وجد نفسه فعلاً في العراء أمام مشاهد العرس الباذخ، وأمام عروس سعيدة لم تكترث لـ”قيم” الحزب، لكن أهل العرس لم يكترثوا أيضاً لما يمر به اللبنانيون من محن وصلت إلى حدود المجاعة.
هذا كله من نافل القول، ذاك أن الـ”سوشيل ميديا” تولت تكثيف مشهد الحفل على نحو لم يسبق أن فعلته في مناسبات أخرى. والمرء إذ استنفد التأمل بمشهد والد العروس مرتدياً الـ”papillon”، والعروس تطلب الـ”تيكيلا لجو”، عليه أن يذهب خطوة أبعد في محاولة تفسير الواقعة. فـ”حزب الله” حالة استقطابية مذهبية حادة، وهذا يرشحه لأن يتحول إلى منطقة رصد تتولاه شرائح واسعة من خصوم الحزب، وهؤلاء الخصوم ليسوا عصبيات حزبية وطائفية فحسب، إنما أيضاً شرائح اجتماعية اصطدم فيها الحزب على نحو متفاوت وفي مناسبات مختلفة، ومن بينهم شرائح شيعية تأخذ منازعاتها مع بيئة الحزب أشكالاً تختلف بمضامينها عن منازعات الحزب مع الجماعات المذهبية الأخرى. ونعني هنا بيئة “حركة أمل” مثلاً، تلك التي لطالما أصابتها سهام بيئة الحزب بتهم الفساد، فوجدت بحفل الزفاف الباذخ فرصة للرد، ناهيك بحساسيات مستجدة بين البيئتين مصدرها شعور أهل “حركة أمل” بأن أهل الحزب أقل تأثراً منهم بالأزمة المعيشية، بسبب تقاضيهم جزءاً من رواتبهم بالدولار الأميركي.
كان من الصعب تجنب ما حملته فيديوات العرس من دلالات، ذاك أن المرء، وإن استفزه مشهد البذخ، إلا أنه قد يميل إلى أن استهداف المشهد قد ينطوي على استهداف للفرح الذي كشفته المشاهد، إلا أن هذا الشعور يعود ليضعف أمام ما حملته الفيديوات من مفارقات، ذاك أن نوار الساحلي متورط بخطاب الحزب وحروبه حتى عنقه، وسيل الفيديوات التي أُنتجت لخطبه مولفة مع وقائع حفل الزفاف، يزيل أي تحفظ يمكن أن يبديه المرء حيال تناول دلالات هذا الزفاف. فللرجل خطبة خلال تشييع أحد فتية الهرمل الذين سقطوا في سوريا، وهو لم يتردد خلالها بالترحيب بقتال الأطفال في سوريا! وتوليف الدعوة إلى قتال الأطفال في سوريا، سواء لحماية النظام فيها، أم لحماية مقام السيدة زينب، مع حفل زفاف باذخ، في فيديو واحد، هو بمثابة رصاصة في عنق خطاب الحزب لم يسبق أن تلقاها من ألد خصومه.
والحزب بدوره لم يألف مواجهة خطاب السخرية الذي ترافق مع واقعة الزفاف، فهو اعتاد على مواجهات من نوع آخر، ولا نعني هنا المواجهات العسكرية، بل ما أعد الحزب نفسه إليه من مواربات أهلية هي أضعف من أن تصطدم بطرفة أو مفارقة! فكيف له مثلاً أن يتصدى لرجل قرر أن يطلق على حانته في مار مخايل اسم “تيكيلا لجو”؟ أو بماذا سيجيب فقيراً من الهرمل عن سؤال عن حفل الزفاف، وما رافقه من فيديوات؟
لا شك في أن حفل الزفاف الباذخ هذا سيكون محطة في مسيرة “حزب الله” لا توازيها محطات كثيرة امتحنت فيها صدقية خطابه. فوقوف الحزب في وجه الانتفاضة اللبنانية ضد الطبقة السياسية الفاسدة مثلاً، وجد الحزب له تصريفاً، تارة عبر ادعائه بأنه خارج منظومة الفساد وتارة أخرى عبر توليفه خطاباً تخوينياً استهدف فيه مجموعات الثورة بتهمة “السفارات” وغيرها. وهو استعاض عن توليه حماية النظام في سوريا بشعارات داخلية حول حماية مقام السيدة زينب. أما واقعة العرس، فهي نقلته بفعل موقعه الاستقطابي الحاد، من موقع المشتبه به إلى موقع المدان بأنه جزء من طبقة سياسية تبذخ على عائلاتها، وتترك مواطنيها للفقر والجوع.
نقلا عن وكالة درج