نُشِرَت خلال الأيام القليلة الماضية تقارير تتحدث عن خطّة (ب) تعكف الإدارة الأمريكية على إعدادها للتعامل مع تطورات الوضع في سوريا، وتتحدّث الخطّة عن التجهيزات التي سيتم توفيرها لدعم المعارضة بأسلحة ومعدّات، والتي سيتم إعتمادها حال انهيار الهدنة الحالية.
الحديث عن خطة (ب) هو امر غير دقيق على الإطلاق، وما يجري حقيقة هو أنّ وكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه) تقوم بالفعل بإعداد “مقترح” وليس خطة، كما أنّ الوجه الحقيقي لهذا المقترح بعيد كل البعد عن فحوى السعي لتغيير المعادلة في سوريا.
المقترح المذكور موجّه بالدرجة الأولى ضد أدارة أوباما وثانيا كإعلان عن إخلاء مسؤولية وثالثا لضبط تحركات بعض دول المنطقة التي اتّجهت (ميدانيا وليس سياسيا) خلال الأشهر القليلة الماضية إلى تجاوز الاعتماد الكلّي على الولايات المتّحدة الأمريكية، لا سيما في ما يتعلّق بإمداد المعارضة السورية بأسلحة.
وشأنه شأن الخمسين مقترحا التي تقدّمت بها المخابرات المركزية الأمريكية سابقا إلى إدارة الرئيس أوباما للإطاحة بالأسد، فسيتم رفضه على الأرجح، ولا يحتاج المرء لكبير عناء ليثبت ذلك، إذ يكفي الاستماع إلى تصريح المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية جاريد كابلان والذي كان قد أشار بالأمس إلى أنّه “يوجد خيارات كثيرة تمّ وضعها أمام الرئيس أوباما، لكن لا يوجد خطة (ب)”.
هذه الإدارة لم يبق لديها إلا بضعة أشهر في البيت الأبيض، وطوال السنوات الخمس الماضية لم يكن لديها أي خطّة (أ) بشأن سوريا حتى يكون لديها خطة (ب) الآن، ولذلك فمن السذاجة بمكان على أي كان أن يصدّق أنّها ستضع خطة لسوريا في بضعة أيام لتطبيقها خلال بضعة أشهر فقط.
ما يهم إدارة أوباما الآن هو عدم انهيار الهدنة العسكرية ولا مشكلة لديها إن تمّ خرقها لدرجة تتسع لإدخال الروس والإيرانيين طائرات ومعدات وجنود فيها، المهم أن لا تنهار بشكل نهائي. كما يهمّ الإدارة أيضا أن يبقى المسار السياسي في جنيف قائما، ولا يهم كيف وماذا يطرح الروس، أو ماذا يقول وفد النظام، المهم أن يبقى هذا العنصر الإشغالي قائما إلى حين مرور الأشهر المعدودة. والمفارقة أنّه بالرغم من ذلك، فإن هذه الإدارة لا تريد أن تبذل أي مجهود أو أن تستثمر أي طاقة لتحقيق ما تريده هي على الأقل.
ولهذا السبب بالتحديد، تقوم الـ(سي آي إيه) الآن بتقديم هذا الخيار الجديد كإعلان عن إخلاء مسؤولية، فالإدارة سترحل نهاية العام لكنّ الـ(سي آي إيه) لن ترحل، وسيقوم الرئيس الأمريكي الجديد بتحمّل كل تبعات الملف السوري، وبما أنّه لا أفق للمتاهة التي تدفع بها إدارة أوباما الآخرين في الملف السوري، وبما أنّ الوضع هش سياسيا وعسكريا فإنه قد يتدهور بأسرع مما يعتقد البعض. باختصار هناك احتمال كبير بأن تتجه الأمور إلى الانفجار الكبير مجددا.
ومن أجل ذلك، وبعدم التقدّم الكبير لحلفاء الأسد قبل شهرين، قامت بعض الدول الإقليمية خلال الشهرين الماضيين بإدخال أسلحة إلى المعارضة السورية دون تنسيق مع الولايات المتّحدة الأمريكية، وكنت أشرت إلى ذلك في مقال سابق لي في شهر فبراير تحت عنوان “عن الخيارات العسكرية للسعودية وتركيا في سوريا”.
المعلومات تشير الآن إلى أنّ وكالة المخابرات المركزية أصبح لديها فكرة عن الموضوع وأكبر مخاوفها ما يتعلّق بحصول بعض الفصائل على صواريخ صينيّة مضادة للطائرات محمولة على الكتف (أف أن -6) وذلك على الرغم من محدوديّة عددها ومداها وقدراتها. ومن هذا المنطلق، وخوفاً من أن يسلك حلفاء أمريكا هذا الطريق مجددا بشكل أوسع حال انهيار الهدنة والمباحثات، تسعى الوكالة إلى قطع الطريق أمام الجهود المستقلة للدول الإقليمية لارسال أسلحة أكثر تطورا، وذلك من خلال إقناع إدارة أوباما بالسماح بإرسال بعض الأسلحة المحددة النوعية والكمية غير المتطورة والتي يمكن تأمينها بطريقة تمكّن الولايات المتحدة من ضبط عمل هذه الدول التي تسعى لتأمين الأسلحة دون المرور بأمريكا، وتمكنها أيضا من معرفة على ماذا تحصل المعارضة بالضبط.
الراجح كما جرت العادة أن ترفض هذه الإدارة المقترح، لكن حتى لو إفترضنا جدلا أنّ إدارة أوباما ستوافق عليه لقطع الطريق على الآخرين ولمراقبة المعارضة، فإن هذا المقترح لوحده لن يكون كافيا لاعتباره “خطّة ” قائمة بحد ذاتها، فهو مقترح معزول عن خطّة وهو متأخر جدا، صحيح أنه سيكون مفيدا فيما لو حصل لكنه لن يكفي بعد التوسع الكبير على الأرض للدور الإيراني والروسي، ويحتاج إلى خطة أكبر من مجرّد تزويد أسلحة، وهذا أيضا ما ترفضه إدارة أوباما حتى الآن.