رامز أنطاكي
لم يستمر الغموض سيداً للموقف حيال القرار الذي شرعت في تطبيقه مطلع العام الحالي المديرية العامة للأمن العام اللبناني، والذي قيّد دخول السوريين إلى لبنان وتجديد أوراق إقاماتهم فيه، فالأمور بدأت تتضح شيئاً فشيئاً، لدى مراكز الأمن العام من الجهة التنفيذية، ولدى السوريين المعنيين من جهة أخرى.
فترة من الغموض والتخبط سادت خلال الأيام الأولى من تطبيق القرار، قليلون جداً من استطاعوا عبور الحدود باتجاه لبنان، أما السوريون الذين توجهوا إلى مراكز الأمن العام اللبناني لتجديد إقامتهم التي قاربت مدتها على الإنتهاء، فقد تلقوا إجابات من نوع “ارجعوا غداً”، و”لا بأس مخالفتكم قانونية هذه المرة، لا تعليمات واضحة لدينا بعد”… وبمرور الأيام وتوفر التعليمات التنفيذية لدى الموظفين المعنيين بتنفيذ القرار، بدأت الأمور تنتظم وتتوضح، خاصة مع بعض التحديثات التي طرأت على القرار.
الجديد فيما يخص القادمين إلى لبنان كان أبرزه “زيارة للتسوق”، و”مستأجر عقار”، “نازح” مع تحديد الأوراق والثبوتيات اللازمة لكل حالة من هذه الحالات، إلا في حالة النزوح فهناك انتظار لبعض الوقت ريثما يتبين رأي وزارة الشؤون الاجتماعية اللبنانية في الأمر. وأما تجديد الإقامة للسوريين الموجودين في لبنان منذ ما قبل القرار الأخير فقد حددت تفاصيله من خلال “ملحق رقم (4)” والذي عنون بـ “آلية تجديد بطاقات الإقامة المؤقتة العائدة للسوريين”، متضمناً تعليمات تنفيذية تهم السوريين الذين يتقدمون لتجديد إقاماتهم قبل نهاية كانون الثاني، ولعائلات السوريين الداخلين إلى لبنان، والنازحين والداخلين خلسة وغيرهم.
في النتيجة بات دخول السوريين إلى لبنان سواء أكان عبر الحدود البرية أم عبر المطار أمراً غير سهل ومن الواجب التحضير له بتأمين كفيل لبناني في أغلب الحالات، ومجموعة من الأوراق الرسمية التي حددها القرار اللبناني حسب كل حالة. في هذا الإطار يروي شاب سوري مقيم في فرنسا يدعى حمدون كيف لاقى صعوبات في السفر إلى بيروت عبر اسطنبول رغم أنه يحمل حجزاً فندقياً ودعوة من منظمة دولية، فطلب من الموظفة المعنية في مطار باريس السماح له بالوصول إلى اسطنبول فقط، وهذا ما كان، وفي مطار اسطنبول تمكن حمدون من إقناع المسؤولين عن الرحلة المتوجهة إلى بيروت من صلاحية أوراقه، وأن حالته مشمولة في القرار الجديد، ويعلق: “إن كنت مزوداً بحجز فندقي ودعوة وأحمل إقامة في دولة أوروبية ولاقيت كل تلك الصعوبات، فكيف حال العابرين على الحدود البرية؟!”.
في الحقيقة يبدو تساؤل حمدون في محله، فالحدود البرية تشهد أعداداً كبيرة ممن يفشلون في “اختبار” قوى وموظفي الأمن العام اللبناني، وقليلون هم من ينجحون في اجتياز الحدود التي باتت تعني لكثير من السوريين الفرق بين الموت والحياة، وبين الجوع والشبع. من جهة أخرى أشارت جداول الأرقام الرسمية عند المعابر الحدودية البرية إلى أن عدد السوريين الداخلين إلى لبنان في الفترة الممتدة من 1 كانون الثاني حتى 17 من الشهر نفسه هو 36700 والخارجين من لبنان 42500، وقد أشارت الجداول نفسها أن عدد السوريين الداخلين إلى لبنان عبر كل المعابر خلال كامل شهر تشرين الثاني هو 102600، وفي كانون الأول 135420، مما يشير مبدئياً إلى تراجع أعداد السوريين الداخلين إلى لبنان بنسبة كبيرة وملحوظة قياساً بالشهرين السابقين لبدء تنفيذ القرار.
معاناة السوريين على الحدود قابلتها معاناة لبعض اللبنانيين على معبر المصنع الحدودي بين سورية ولبنان، مع توارد معلومات عن اجراءات مشددة بدأ الجانب السوري في تطبيقها، في ما اعتبره البعض رد فعل على القرار اللبناني، وقد أصاب التشدد السوري خاصة شاحنات النقل المبردة والتي بلغ عددها 400 شاحنة بقيت منتظرة على الحدود لأكثر من 16 يوماً، وقد ردت بعض المصادر سبب هذا التأخر في دخول الشاحنات التي تشكل وسيلة تصدير مهمة للمزارعين اللبنانيين إلى سوء حال الطقس وأعطال تقنية أصابت جهاز “سكانر” خاص بمسح مستوعبات وحاويات التصدير. في هذا السياق يعتقد رائد عبد القادر الناشط السوري في لبنان كما يعرف عن نفسه “أن التشدد من قبل النظام على الحدود تجاه الشاحنات اللبنانية ليس بهدف الضغط على الحكومة اللبنانية لمصلحة الشعب السوري، بل هو فقط لإجبار اللبنانيين على التشاور معه وطلب رضاه”.
ياسمين فلاح الشابة السورية التي تقيم بين بيروت ودمشق، تأسف لتقييد حرية حركتها أكثر بعد القرار اللبناني، فهي تعمل في بيروت ضمن فريق منظمة عالمية تهتم باللاجئين في وظيفة “لا تؤثر على اللبنانيين، فهي مخصصة للسوريين” على حد تعبيرها، لكن القرار يحرمها من زيارة أهلها في دمشق بين الحين والآخر، وتتوقع فلاح أن تزداد الأمور وضوحاً مع الوقت، وتأمل أن تخف حدة الإجراءات اللبنانية، وتؤكد أن هماً جديداً بات يثقل كاهل السوريين في لبنان بصدور هذا القرار.
حتى اللحظة تبدو الحكومة اللبنانية مصرةً على تنفيذ قرارها الأخير في ما يمكن اعتباره زيادة صعوبة دخول السوريين إلى لبنان وربما دفع من هم فيه إلى مغادرته، وما تعتبره الحكومة اللبنانية مجرد ضبط وتنظيم لدخول السوريين إلى أراضيها، ورغم بعض التعديلات على مضمون القرار بعد مرور أقل من شهر على بدء تطبيقه، إلا أنه يبقى يشكل معضلةً جديةً لكل السوريين القادمين إلى لبنان، وهمّاً دورياً على السوريين المقيمين فيه، والقرار الذي أصبح جزءاً أساسياً من أحاديث السوريين في لبنان بين بعضهم، أعاد إلى ألسنتهم عبارة كان بعضهم قد رددها أيضاً قبل زمن ليس ببعيد في سورية: “وين نروح؟!”.