“خير شو في شو المناسبة، ليش السوق كلو أضوية ملونة وعبارات احتفال”، بتلك العبارة سألت “منى” زميلاتها باستغراب ودهشة بعد أن قبضوا رواتب شهرين متتاليين من مدينة حماه وقصدن سوق المدينة لإنفاق جزء كبير منه وشراء حاجيات الشتاء لأولادهم، قبل أن يعدن لمدينتهن ادلب وينهب قسم منه من قبل حواجز النظام المنتشرة على طول الطريق بين المدينتين.
تجولن في السوق وملامح وجوههن تروي حزنا عميقا ممزوجا بالصدمة، وهنا بدأ النقاش بينهن، وبدأت المقارنة بين أسواق المدن المحررة وأسواق مناطق النظام، فالأخيرة يعيش سكانها حياة طبيعية بكافة أبعادها وأسواقها تشهد حركة وازدحاما فقد بدأت تحضيرات ماقبل عيد الميلاد ورأس السنة وكأن الحرب لم تطرق بابهم قط.
وبينما ينتظر أولئك المترفين حلول الأعياد عليهم ليعيشوا نعيم الاحتفال، يقبع آلاف السوريين في خيام شبه مهترئة بعد أن نخر البرد والجوع عظامهم، وقتل أطفالهم، ناهيك عن آلاف الحلبيين الذين افترشوا الطرقات وهم ينتظرون موكب الموت ليقلهم لمناطق ليست أكثر أمنا من بيوتهم التي أجبروا على تركها في سبيل بقاء النظام واستمراره في الحكم.
وتعقب إحدى زميلات منى على تساؤلها:” كأنو نحن عايشين بغير عالم، حتى نزلة السوق نسيناها، وكلمة احتفال ماعدنا ذكرناها لأنو حياتنا كلها حزن، نحن بمدينتنا كل يوم بنودع شهداء وبتتيتم الأطفال وبتترمل النساء، هي هيي حياتنا باختصار”، وتبتسم قليلا ثم تكمل بروح الدعابة لتخفف عن صديقاتها:” نحن بنحتفل لما بتنزل مطر لأن بنرتاح من الطيارة، وبنحتفل لما بتجي المي بنقضيها غسيل وشغل، شو بدكن أحسن من هيك احتفال”.
ويعتبر التوجه لأي سوق في المناطق المحررة مصدر ذعر وخوف عند الأهالي، فكما يقول المثل “قاصدها موعود والعائد منها مولود”، حتى وجوه تجارها وباعتها شاحبة حزينة ويشتكون دوما من تكدس بضاعتهم بسبب قلة الزبائن ولجوء أغلبهم لمحال الألبسة المستعملة لأن أسعارها تتناسب مع دخلهم المحدود، فقد عمد النظام مرارا لاستهداف الأسواق قاصدا التجمعات لقتل أكبر عدد ممكن من المدنيين.
كم هو شعور مخز عندما تقارن بين الوضع في مناطق المعارضة ومناطق النظام، وبعيدا عن لوم العرب على صمتهم، أو حتى خذلانهم والمجتمع الدولي للمجازر التي تحدث يوميا في سوريا إضافة لسياسة التهجير بحق أهالي المناطق المحاصرة، فإذا كان أهالي سوريا في مناطق النظام لا يشعرون بوجع إخوتهم في باقي المناطق، ويحتفلون ويقيمون الولائم فرحا بتهجيرهم، شامتون بدموعهم ودماء أبنائهم، ومع كل هذا لا عتب على العرب أو حتى الغرب إن كان أهل البلد لا خير فيهم لبعضهم.
عام جديد شارف على القدوم، وأهالي سوريا في المناطق المحررة يودعون عاما مليئا بالأحداث الدامية، عاما ذاقوا فيه أشد ألوان العذاب، آملين بعام جديد يحمل في ثناياه سلاما وأمنا يزيح عنهم آلامهم بعيدا عن الحرب.
المركز الصحفي السوري ـ سماح الخالد