أحمد الأحمد – المركز الصحفي السوري

تبنى الدول على مقومات و من أهم هذه المقومات الشعب، والشعوب تنشد الحرية والعدالة والعيش بكرامة والمساهمة باختيار القيادات.
كل مواطني المعمورة مَلك هذه الحقوق و ستثني منها غالبية العرب الذي تعايشوا مع الظلم لسنوات، وهم غائبون تماماً عن ممارسة هذه الحقوق لأنهم لم يتمكن من الانقلاب على الموروث الذي هو القبول بالأمر الواقع والرضاء بالقليل دون أن يكون لهم لا حول ولا قوة.
هبت رياح التغير على الوطن العربي، و جاءت هذه الرياح من جهة الغرب من تونس الخضراء التي انتفض شبابها طلبًا للحرية، و العيش الكريم هبوا لتغيير الموروث وانتفض المصريون على فرعون الزمان، وبدأت الأحلام بالأوطان الحرة تداعب أفكار الشباب التواق للعيش الحر الكريم من المحيط للخليج ولحق بهم أهل ليبيا ليقفوا في وجه مجنون العصر والرئيس الأكثر غرابة وجدلية في العصور الحديثة وصلت هذه الرياح لدمشق التي يحكمها أعتا طغاة العالم وأكثرهم دموية وإرهاب وهب الشباب، ليستقبل الربيع العربي ربيع التغير لكن من غير المتوقع أن يتحول هذا الربيع لربيع بلون الدماء تسقى أزهاره القليلة بدماء أبناء الوطن.
سقط بن علي وقُتل القذافي و عزل مبارك بعد التوافد الهائل لأبناء مصر لساحات الحرية، ليصنعوا ثورتهم المباركة التي قادها شباب يملك من الهمة و العزيمة ما يصنع المعجزات والتي دامت 18 يوما ليتحقق مطلبهم بعزل “الريس” قدموا خلال هذه الأيام العظيمة، من تاريخ مصر 850 شهيداً على مقاصل الحرية،لكن سرعان ما خُطفت منهم ولعبت السياسة بثورة قامت دون سياسة.
أُدع مبارك السجن ففرح كل تواق للحرية تواق للتغير بهذه النهاية، وكانت مسألة إيداع الفرعون داخل قفص الاتهام الحديدي هي نقطة تحول جذرية في علاقة الحاكم بالمحكوم في أقدم نظام سياسي عرفته مصر الحديثة، حيث استمر في حكم مصر 30 عام لم يسبقه لهذه المدة الطويلة في التشبث بالحكم سوى محمد علي باشا الذي استمر حكمه 42 عاما.
أصبح السجن مأوى الفرعون وزاد الأمل بأن يكون مصير مبارك هو مصير طغاة العرب و مستبديها ودب الأمل في القلوب ببناء مصر الحرة و نشر العدالة واسترداد الحقوق بعد هذه العقود التي اتسمت بكل أشكال الفساد فكانت الرشوة، و الظلم عنوانها وبرزت فيها كل أفات الدمار، و لتخلف حيث مليون مصري، تحت خط الفقر، يعيشون بدولارين يوميا أو أقل، 8 ملايين عاطل عن العمل ، 12 مليون يعيشون في مدن الصفيح، أو العشوائيات، 22 مليون أمّي، لا يعرفون القراءة والكتابة، 800 مليار جنيه، مجموع الديون الخارجية والداخلية. وعمل هذا القابع خلف القضبان على جعل الفساد جزءاً مكملا للحكم، ونجم عنه استغلال غير مسبوق، وسيطرت على مصر عصابة مبارك المكونة من المنتفعين والمسيرين التي تدير مؤسسات أنشئها جمال و أمه الهدف منها النهب المنظم لثروات البلاد و ذلك من خلال تفريخ رجال يدينون بالولاء الأعمى لهما لاستغلالهم في نهب مصر و السيطرة على مقدراتها بتعيينهم في المناصب الحساسة التي من خلالها ينفذون ما يصبون إليه. هذه مصر من العمق، في عهد مبارك الذي لم يكن له من اسمه أي نصيب وبعد ثلاثون عاما من حكم العسكر لها.
ومن خلال خلع رمز الحكم الفردي والأمني رمز الفساد و الإفساد يتنسم المصريون نسيم الحرية ويضنون أنهم أرسوا مبادئ الديمقراطية والعيش الكريم بعد ثورتهم ولم يتوقعوا بأن جذور الفساد ضاربة في عمق الساسة التي ستتسلق على دمائهم لم يتوقعوا بأن الفرعون سيعود يوماً طليق.
وبدأت محاكمة الرئيس الذي خلعه الشعب بثورته على جرائم جنائية الجرائم إرتكب الداعين لها خطأ فادحاً فمبارك ونجليه ومعاونيه ارتكبوا من الجرائم السياسية ما يفوق حد الجرائم الجنائية خاصة أنهم قضوا على استقلال مصر والاقتصاد المصري وقاموا بتفكيك المجتمع”. ، والخطأ في السياسات التي أحالتهم لمحاكم جنائية، الجرائم السياسية تفوق الجرائم الجنائية فيما يتعلق بالقائمين على الحكام قبل الثورة، والثورة عندما أقصتهم عن الحكم كانت حكما ثوريا لم يخضع لشرعية سياسية أو قضائية”.
و تداخلت محاكمة مبارك مع الظروف السياسية العارمة، وازداد مشهد المحاكمات تعقيدا مع تحويل الآلاف من أنصار مرسي للمحاكمات، وإصدار أحكام إعدام بالجملة عليهم، واعتقال المزيد من رموز ثورة 25 يناير، الذين كانوا معارضين لحكمي مرسي ومبارك و أصبحت قضية القرن هي قضية معالي الريس وبثت المرافعات التي كانت عبارة عن خطبًا موجهة للناس، ومن خلال قنوات فضائية خاصة مملوكة لرجال أعمال ارتبطوا بالسياسة في عصر مبارك، وما هو مؤكد بأن السياسة لم تكن بعيدة أبدا عن المجريات الجنائية للقضية بدأت تلعب فيها أيادي تمرست ودربت في عهد الرئيس القابع خلف القضبان لتنتج هذه السياسة البراءة من عشرات الجرائم، وتسدل محكمة جنايات القاهرة المنعقدة بالتجمع الخامس بأكاديمية الشرطة، الستار على قضية القرن،قضية الفساد السياسي، قضية الأمة والشعوب العربية قاطبة والحالمة بالوطن الحر الكريم، وأصدر المستشار محمود كامل الرشيدي قاضى المحاكمة حكمه في القضية ببراءة المتهمين بقضية قتل المتظاهرين، وجنحة التقصير والإهمال في حماية المواطنين. ورجحت مصادر أمنية وقضائية أن الـ101 جلسة من القضية، والتي استمرت الـ3 سنوات، وبدأت أولى جلساتها في أب عام 2011، وآخر جلساتها انعقدت السبت 29 نوفمبر عام 2014 . صدر الحكم بالبراءة لتتلقى الشعوب العربية عامة و المصريين خاصة والحالمين بالحرية صفعة تذهلها وتدخلهم في غياهب المجهول والإحباط الذي سرى للقلوب كافة.
وقد يحاول مبارك بعد مهزلة المحاكمة العودة للحياة السياسية هو ونجليه وأركان حكمه مستغلا العشوائية وحالة الاضطرابات التي تعيشها الساحة المصرية في هذه الفترة. عادت عقارب الساعة للوراء وعاد المصريين يكررون على ألسنتهم “الريس مبارك”……