نسرين البالغة من العمر 25 عام أم لطفلين تستيقظ لتجد نفسها في تركيا هي وأطفالها ” علاء ومحمد “.
استشهد زوجها منذ عامين، وهي من ذلك الوقت تقوم بدور الأم والأب والممرضة لعلاء الذي فقد أذنه وكسرت جمجمته وطعن في بطنه إثر صاروخ من طائرات النظام في ريف إدلب.
منذ اندلاع الثورة السورية تزداد معاناة الأهالي وكان كل بيت لا يخلو من أجهزة اللاسلكي لتعميم الأخبار واستطلاع الطيران، ويقضون معظم أوقاتهم في “المغر والكهوف” والأقبية السكنية نظرا للحرب التي تدور في سورية وكثرة الاعتقالات وسقوط ضحايا الحرب ومعظمهم من الرجال، تسبب بازدياد حاد لنسبة الأرامل وازدياد معاناة المرأة بمختلف الأعمار وتفاقم الحالات الجرحة وازدياد ملحوظ لعاهات مستديمة.
أعلنت منظمة الصحة العالمية أن نحو 3 ملايين شخص أصيبوا نتيجة الحروب في سورية بينهم 1.5 مليون يعيشون بعاهات مستديمة داخل البلد.
كانت نسرين تعيش في سورية بريف إدلب، تبقى معظم وقتها تستمع لجهاز اللاسلكي “قبضة” وهو جهاز بث مباشر عن حركة الطيران وإعلام الأهالي عن طريق هذا الجهاز بتوخي الحذر.
يعيشون في رعب مستمر حتى لم تعد أعصابهم تحتمل كل هذه المعاناة وأطفالها ” علاء ومحمد” صغار تحير بأمرهما حين تأتي الطائرة لتحلق فوقها وهي كيف تخبئهم في كهف تحت الأرض حتى لا يتضرروا إذا أتاهم صاروخ. قررت نسرين وزوجها خالد النزوح إلى لبنان بسبب كثرة القصف والطيران على ريف إدلب حيث تسكن هي وعائلتها وعند ما وصلوا إلى الحدود اللبنانية السورية اعتقل خالد وعادت إلى إدلب ليعود زوجها بعد اعتقال دام عامين وانقطاع أخباره.
وصلها خبر استشهاد زوجها بعد فترة من الزمن ولكن لم تصدق لعدم وجود دليل وبعد أيام يخرج من السجن أحد أقرباء خالد عن طريق تبادل أسرى، أكد لها خبر استشهاد زوجها لأنه عن طريق الصدفة وهو يساق إلى التعذيب بسجن عدرا المركزي، تصادف بجثة تعذب حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، وقال أحد الجنود المعذبين للأخرين ” تعالوا شيلو فطس”.
تكاد لا تصدق نسرين ما تسمع أذنها تقول “والله ما عم صدق قلي كذب. يعني مات مات خلص ما بقا في خالد” تخنق عبرات بكائها لتصمد أمام أطفالها تنساب دموعها على خديها بحرقة ويبكي علاء بكاء الأطفال ليقول ﻷمه “ماما بابا راح عالجنة لعند جدو” لا تقوى نسرين على إجابة طفلها حتى يحتضنه خاله مصطفى الذي حضر على الحديث.
تقوم نسرين بدور الأم والأب وتخيم أجواء الحزن على بيتها ولا تكاد تنسى وفاة زوجها حتى يخترق الهدوء الذي خيم على بيتها صاروخ ضيفاً ثقيلاً وسرعان ما يختفي متفجرا الذي خلف تشظي علاء الابن الأكبر طعن في بطنه واختراق جمجمته شظية وهو في الخامسة من عمره قد أوشك أن يفارق الحياة يحرك علاء رأسه يضم شفتاه وكأنه يحاول أن يقول شيء، تحضنه أمه وهي تبكي وأخيه محمد تنساب دموعه على خديه الذي لا يعلم معنى ما يشاهد فقد رأى أمه أجهشت بالبكاء تسقط أرضاً، ودخل أخيها مصطفى برفقة علاء إلى تركيا ليعالج، يرمم الأطباء ما أفسد هذا الصاروخ بجسد علاء، لتبقى نسرين مستيقظة لا تستطيع النوم ولا الهدوء ولا والاستقرار على أمل عودة ابنها إلى حضنها تحاول التواصل مع أخيها لكن دون جدوى وبعد يومين اتصل مصطفى ليخبرها بنجاح العملية في بطنه لكن لم يتمكنوا الأطباء من خلع الشظية التي اخترقت جمجمته الصغيرة دخلت نسرين وصغيرها محمد إلى تركيا كي تبقى تراقب حالة علاء عن قرب، وبعد مضي شهر ونصف أخرجوا علاء لترافقه قطعة حديدية في جمجمته وخارطة عناء رسمها الصاروخ مع بتر أذنه، يبقى علاء على أمل جراحة لتخلصه من هذا التشوه الجسدي وبقاء الجروح النفسية.
علاء يبقى صامتا لا يرغب بالكلام تم عرضه على العديد من الأطباء وعجز البعض عن تشخيص مثل هذه الحالة التي لم يسبق لها، ولكن رجحوا أن علاء يعاني من عقدة نفسية خلفها هذا الصاروخ الذي شوه وجهه وجمجمته وترافقه رجفة في يديه الصغيرتين، كل ما نظر له شخص للمرة الأولى وكأنه يقول في نفسه إنني مخيف والآن إما أن يسخر مني أو يخاف من منظري القبيح وكم هناك في سورية مثل علاء، إلى متى هذا دمار وسفك دماء وتهجر ورعب وإرهاب.
*قصة حقيقية من الواقع تحيا بيننا *
بقلم : غفران الفارس
#المركز_الصحفي_السوري