اختار الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” ولاية “كلس” التي تقع في أقصى الجنوب التركي على الحدود السورية التركية, ليعلن أن الحكومة التركية لديها خطة مستقبلية تقضي بتجنيس السوريين المتواجدين حاليا على الأراضي التركية ومنحهم الجنسية التركية، في خطوة هي الأولى من نوعها منذ تاريخ تأسيس الجمهورية التركية الحديثة بقيادة “أوتوتورك”.
ولكن إعلان الرئيس التركي عن هذه الخطوة المفاجئة ترك الباب مفتوحا أمام كثير من التكهنات والتخمينات لدى أوساط المواطنين الأتراك بمختلف قومياتهم وأعراقهم, وأثار عاصفة من الجدل لاسيما عبر “التغريدات” التي أطلقها الأتراك عبر وسائل التواصل الاجتماعي وخصوصا من قبل المعارضين لسياسة حزب العدالة والتنمية الحاكم في البلاد.
وقد تعمق هذا الجدل بعد أن اكتفى الرئيس التركي بإعلان الخطة فقط, دون إعطاء مزيد من التوضيحات حول ماهية الشروط المطلوب توفرها لدى السوريين الراغبين بنيل الجنسية التركية من جهة, ومن جهة أخرى لم يحدد جدولا زمنيا أو موعدا واضحا للبدء بتنفيذ هذه الإجراءات واكتفى بالقول: “أنا متأكد بوجود أخوة سوريين يريدون الحصول على الجنسية التركية, ووزارة الداخلية اتخذت إجراءات في هذا الموضوع, وستقوم بما تستطيع به, من خلال مكتب ستخصصه من أجل مساعدة إخوتنا, وتقديم هذا الدعم, ومنح الجنسية”.
وبعد أن تم إعلان هذا القرار من قبل الرئيس “أردوغان” أطلق الأتراك هاشتاغ UlkemdeSuriyeliIstemiyorum # الذي يعني بالتركية “لا أريد سوريين في بلادي” وأصبح هذا الهاشتاغ واحدا من أكثر المواضيع تداولا في تويتر على نطاق العالم.
مخاوف المواطنين الأتراك من قرار منح الجنسية التركية للسوريين تنبع من العديد من التكهنات, لا سيما أن أمر منح الجنسية لثلاثة ملايين شخص ليست أمرا بسيطا، وتعد حادثة غير مسبوقة في تركيا, فضلا عن أنها تحتاج لعملية إدارة بشكل دقيق؛ تفاديا لنشوب توترات خطيرة في المجتمع التركي.. كما يعتقد “الأتراك”.
وتتهم أحزاب المعارضة رئيس الدولة”أردوغان” بأنه يسعى لتحقيق مكاسب سياسية داخلية ليس إلّا عن طريق تعزيز قاعدته الشعبية قبيل الانتخابات المقبلة أو قبل أي استفتاء قد يقرر إجراءه لتعزيز سلطاته الدستورية, فإن نفذت هذه الفكرة سيكون باستطاعة أكثر من مليون ونصف مليون سوري على الأقل التصويت لصالح حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المقبلة.
يقول والي “أغبابا”, وهو نائب معارض:
“من الواضح أن الحزب الحاكم ليس مهتما بمستقبل هؤلاء الناس, بل هو مهتم بالمكاسب السياسية التي قد يجنيها”.
وبالنسبة لزعيم الحركة القومية المعارض “دولت بهتشلي”, فالأمر أخطر من ذلك بكثير لأنه توقع اندلاع قيام صراعات إثنية وعرقية ستهدد وحدة التراب التركي.. وفقا لقوله.
ومنهم من ربط القرار بالاتفاقية الموقعة بين تركيا والاتحاد الأوروبي بشأن اللاجئين السورين تحديدا, متسائلا “إذا منح السوريون الجنسية التركية, لماذا سيمنح الأوروبيون المعونات لتركيا؟! وسيكون بإمكان هؤلاء السوريين المجنسين السفر إلى أوروبا عبر جواز السفر التركي, فكيف سيتمكن الأوروبيون من التعامل مع ذلك؟!”.
أما المواطن التركي البسيط صاحب الدخل المحدود, فقد كان جل اهتمامه من هذا القرار التركيز على المضاعفات التي ستنتج جرّاء التنافس على فرص العمل, سيما أن معدل البطالة في تركيا شهد ارتفاعا ملحوظا وصل إل 10 بالمئة في بداية العام الجاري؛ نظرا لحالة الركود الاقتصادية الحالية التي تعيشها البلاد.
وحسب القوانين التركية, توقع العديد من المختصين الحقوقيين أن تضمن الشروط مراعاة الأمور التالية:
أنْ يكون السوري المتقدم بطلب التجنيس مقيما لمدة 5 سنوات دون انقطاع في تركيا قبل تاريخ تقديمه الطلب.
التأكد من أنه قرر العيش في تركيا من خلال سلوكه.
أنْ لا يكون لديه مرض يهدد صحته العامة.
أنْ يكون صاحب أخلاق حميدة.
أنْ يكون يستطيع التحدث باللغة التركية بصورة كافية.
أنْ يكون صاحب دخل أو مهنة تمكنه من تغطية حاجاته وحاجات الأشخاص المسؤول عن رعايتهم.
أنْ لا يكون لديه أي عوارض تهدد الأمن القومي والسلم الأهلي.
كما أنّ من لديه قدرات على “تطوير الصناعة في تركيا، أو لديه تفوق علمي، تكنولوجي، اقتصادي، اجتماعي، رياضي، ثقافي، فني، ومن لديه قدرات مميزة في هذه المجالات، وسيقدم الفائدة لتركيا من خلالها”، سيكون باستطاعته الحصول على الجنسية من خلال قرارات استثنائية من المجلس الوزاري.
أما السوريون المقيمون حاليا على الأراضي التركية فقد استقبلوا الإعلان عن القرار بشيء من التفاؤل والسرور, لأن هكذا قرار من شأنه إلغاء حالة التقييد التي باتت تشكل عاملا ضاغطا عليهم أدى إلى شل حركتهم وتنقلاتهم ضمن الأراضي التركية وخصوصا بعد الموجة الأخيرة من حوادث العنف والانفجارات التي شهدتها الساحة التركية الداخلية.
إلا أن عددا لا بأس به من السوريين أعرب عن حذره وتخوفه من قرار التجنيس الذي سيعمق حالة التهجير والنزوح والغربة التي يعيشها أبناء الوطن الواحد خارج البلاد, وتساءل كثيرون عن توقيت الإعلان وعن الأسباب الداعية له ولا سيما أنهم يتهمون الحكومة التركية اليوم بإقفال الباب أمام قدوم المزيد من اللاجئين السوريين إلى تركيا, فقد شهدت الحدود بين البلدين مقتل العديد من اللاجئين السوريين الهاربين من أحداث العنف في بلدهم، ومنهم نساء وأطفال.
قال “محمد ديب” مواطن سوري يود العبور إلى تركيا: “لا شك أن القرار ليس لأجل السوريين أنفسهم؛ لأن الحكومة التركية أغلقت فعليا سياسة الباب المفتوح أمام السوريين, لذلك أعتقد أنه قرار سياسي نتيجة مصالح تهم الدولة التركية, أو أنها نتيجة إملاءات خارجية استجابت لها الحكومة التركية, كما تستجيب لإملاءات التوقف عن دعم الثورة عن طريق إدارة ظهرها للداخل السوري والقبول بالنظام السوري في المرحلة الانتقالية القادمة ومنحه الشرعية من جديد”.
تساؤلات عديدة تنبعث من الداخل التركي والداخل السوري أيضا المعني بالقرار نفسه, ورغم كل ذلك, يبقى الأمر مبهما لكلا الطرفين بانتظار ما ستؤول إليه التجاذبات السياسية القادمة جرّاء أكبر أزمة عالقة شهدتها منطقة الشرق الأوسط في العصر الحديث.
المركز الصحفي السوري – فادي أبو الجود