لم يتراجع السوريون يوماً عن مبادئ ثورتهم الشعبية التي خرجوا من أجلها ليحققوا أسمى أهدافها الحرية والكرامة المسلوبة منذ زمن الأب حافظ الذي أبى أن يفارق الحياة قبل أن يورثها للابن، ورغم قمع الثورة لسنين طوال بقوة النار والتهجير القسري ودفع الطيران المتواصل في سماء الأراضي المحررة ليمنع أي حملة تظاهر للشعب الثائر ضد الظلم.
لم يعبّد بعد الطريق للأستانة بل فخخ قبل ذلك حيث حملت التصريحات المتضاربة لمندوب روسيا لمجلس الأمن والتي تتناقض مع ما سبق وما أعلنته فصائل المعارضة السورية المسلحة التي فاوضت الروس في أنقرة بكلمات واضحة ومكشوفة تتحدث موسكو “إن جبهة فتح الشام سابقاً مستثناة من الهدنة المعمول فيها حالياً في سوريا”.
والظاهر أن موسكو عندما طلبت مشاركة الفصائل المسلحة تعلم تماماً أنها هي من أسمتهم بالمتمردين ما يدل على أن روسيا لا تريد تفاوض إنما استسلام عسكري؛ لتفرض تسوية روسية كونها لا تستطيع الانسحاب الذي يشكل “الهزيمة” ولا تستطيع الاستمرار؛ لأنها حرب مكلفة سياسياً واقتصادياً.
توقف القصف بالأمس ليظهر السؤال جلياً مع الحراك الشعبي الذي خرج الناس فيه للشارع بمجموعة من الرسائل والموجهة عامةً موضحة عدم التراجع للشعب السوري عن أهداف ومبادئ الثورة “إسقاط النظام” والتطلع للحرية، ما مدى تأثير هذا الحراك السلمي على المجال الدبلوماسي ومسار المفاوضات؟
بالطبع عندما يهتف الشعب بإسقاط النظام يعني أنهم لم يقبلوا بأية تسوية تعيد إنتاج النظام من جديد.. فقد أكد الناشطون عبر وسائل الإعلام هتافات علت في المظاهرات على ضرورة وحدة الفصائل وعلى عدم التراجع والمساومة، معلنين للعالم أجمع أن الثورة لن تنطفئ وهي مستمرة، مدركين لما يحاك ضدهم في الأستانه تحت عنوان “وقف إطلاق النار” والتوصل لحل سياسي مع علمه، أنها ليست حلولاً سياسية، بل تسوية تفرض على الشعب السوري.
ما يحاك في الكواليس المتناغمة يعرفه الشعب اليوم في ظل المراحل الصعبة التي يمر بها، ومع تغطيتنا لمظاهرة في مدينة إدلب كشف لنا أبو سامر (34 عاماً) في حديثه معنا عن مدى وعيه لما يحاك ضد الشعب السوري قائلاً “كيف لنا أن نصدق أن هناك وقف إطلاق نار كامل وشامل عندما يتم استثناء جبهة النصرة فهذا يعني أن القصف سيطال حمص وحلب ودرعا وحماه ودمشق وإدلب حيث تواجد الجبهة في هذه المناطق، وهذه المناطق تضم ملايين السوريين أيضاً.. إنهم يعلمون تماماً مدى هشاشة اتفاقاتهم”.
شعب سوري يملك حساً سياسياً متقدماً، يعي ما يحاك ضده ويطمح في كل فرصة تتاح له للتظاهر والهتاف ضد مسيرة الظلم والألم الطويلة التي لا بد أن تنجلي مع إصراره على نيل الحرية.
المركز الصحفي السوري – بيان الأحمد