صحيفة #الغارديان
وصلني النداء يوم الجمعة الماضية، عائلتي في مدينة #إدلب تطلب مساعدتي للهرب من القتال والغارات الجوية في المدينة.
حصل ذلك قبل يومين من تمكّني من الوصول إليهم، حيث لم أكن قادراً على الاتصال بهم، بسبب انقطاع كل خطوط الهاتف خلال تلك الفترة.
لم أعرف طعم النوم خلال تلك الليلتين. وكنت مع اثنين من أصدقائي في السيارة صباح الأحد الماضي، في طريق عودتنا إلى بلدتي التي لم أراها منذ سنتين.. نحن الثلاثة كنا نبحث عن عائلاتنا التي فقدنا الاتصال بها.
سافرنا بصمتٍ مطبق، فكان كلٌّ منا يفكر كيف ستبدو المدينة بعد ما حصل.. كنا نحبس أنفاسنا كلّما عبرنا نقطة تفتيش موحشة. هتفنا نحن الرجال الثلاثة في تلك السيارة وبعيونٍ تملؤها الدموع: “نحن هنا، في قلب مدينتنا، نحن أخيراً هنا”..
السيارات والدبابات المحطمة كانت منتشرة في جميع الأرجاء، كذلك كانت جوانب الأبنية مثقّبةً وفيها فتحات.. مررنا بمحطة البنزين الرئيسية في البلدة، والتي كانت قد دمرتها غارة جوية، ذلك قبل وصولنا إلى المستشفى الواقعة في مركز المدينة، والتي كانت ما تزال النيران تلتهمها، بعد أن كانت ضحيةً لغارة جوية للتو.
وصلت أخيراً إلى بيت عائلتي، طرقت الباب، ولكن لم يكن هناك أيّ مُجيب. جلست على الدرج يائساً متسائلاً: “أين هم الآن؟ هل هم سالمون في مكان آمن؟”.
كافحت وغادرت بتثاقل، وعند وصولي إلى الشارع رأيت ثلاثة جثث على الرصيف الأمامي لبيتي.
قدت السيارة في جميع أرجاء المدينة محاولاً العثور على عائلتي، توقفت عند العديد من المدارس التي بقيت قائمة حتى الآن، لكنها مهجورة. وقابلت ثلاثة مدرسين عرفت أنهم قلقون بشأن أقربائهم وطلابهم، فسألني أحد هؤلاء المدرسين بتنهيدةٍ ثقيلة: “هل تعرف محمد؟ ابنه طالب في صفي، دُمّر بيتهم بغارة جوية الليلة الماضية؛ لا أعرف ماذا حلّ بهم، أتمنى أنهم مازالوا على قيد الحياة “.
وبينما كنا نقف نراقب مجموعة من الأطفال في الشارع، قال مدرّس آخر من هؤلاء الثلاثة: “أطفال يائسون، لقد فقدوا كل شيء. فقدوا سعادتهم، تعليمهم، وأحلامهم! من سوف يقوم بمساعدتهم؟”.
قدت السيارة في الجوار، ورأيت ملامح الخوف على وجوه الناس وهم ينظرون إلى السماء. ثم سمعت صوت انفجار هائل بعد بضعة دقائق في مكانٍ قريب.
بينما كنت أقود السيارة مبتعداً، رأيت عائلة مكونة من ثلاثة بالغين وخمسة أطفال حُشروا بشدة داخل سيارة صغيرة. كان الأطفال يبكون، وكانت امرأة تقول لأصغرهم سناً : “لا تبكي عزيزي، الطائرة بعيدة من هنا، بعيدة عنا”، وبمجرد دخولهم إلى السيارة فرّوا بسرعة مغادرين.. إنها مجرد عائلة واحدة من العائلات العديدة التي تهرب من المدينة.
السيارات والشاحنات المليئة بالناس تغادر المدينة بجموعٍ حاشدة، والكثيرون يسيرون مع بقية أفراد أسرهم وأقاربهم إلى ملاجئ جماعية، أو إلى المخيمات المؤقتة المنصوبة على أراضٍ زراعية.
على الرغم من وجود بضعة محلات ما تزال تعمل، وعلى الرغم من أن بعض المنظمات ما تزال تزوّد الناس بالغذاء والملجأ في حالات الطوارئ، إلا أن الخدمات الأساسية في المدينة قد توقفت. أخبرني أحد أصدقائي _ وهو طبيب _ أنه قلق بشأن اللقاحات المخزّنة في الثلاجة، ذلك بسبب عدم وجود كهرباء.
وأخبرتني أختٌ لصديق آخر من أصدقائي أن المباني الحكومية التي تخزّن فيها كل سجلات الطلاب، تقع في منطقة يتكرر القصف والضربات الجوية عليها.. “ماذا سيكون مصير ومستقبل هؤلاء الأطفال إذا ما فقدنا تلك السجلات؟”.
وتضيف: منذ أن بدأ القتال في #إدلب قبل أكثر من أسبوعين ماضيين، توقف الأطفال عن الذهاب إلى المدرسة، وفرّ العديد من المدرسين. وأختي واحدة منهم، حيث فرت وهي قلقة بشأن عملها.. كان الحضور في المدارس قد حقق مستوى مرتفعاً جداً في المدينة قبل هذا القتال الأخير، ذلك على خلاف مع معظم المناطق الأخرى من البلاد.
أخبرني الآباء أن التعليم هو أحد أهم المخاوف الرئيسية التي تخص أطفالهم، ولكن أين سيذهب الأطفال؟ ومن سوف يعلمهم مادام المدرسون والعائلات مشردين، ومادامت المدارس تعجّ بالعائلات المرحّلة؟.
أخيراً، وبعد أن قدت السيارة لساعات عبر مدينتي المهجورة، عدت إلى بيتي وكلّي أمل أن عائلتي قد تكون هناك. لكن لم أجدهم ، وأخبرني الجيران أنهم تمكّنوا من مغادرة المدينة والعيش في بلدةٍ صغيرة على بعد ساعتين فقط من هنا. لم أتمكن من رؤيتهم حتى الآن، لكنني على الأقل أعرف أنهم في هذه اللحظة آمنون.
ترجمة موقع الحل