عند جدار ملاصق لمرفأ بيروِت المدمّر، تقف عبير إبراهيم مع شقيقتها وفاء التي تجلس على الأرض من شدّة تعبها، وهي تنتظر خبرا عن زوجها أمين الزاهد (43 عاما) بعد أن صار في عداد المفقودين إثر الانفجار الكبير الذي ضرب المرفأ وهزّ بيروت الثلاثاء الماضي.
لا تقوى وفاء على الكلام، وهي بالكاد تمسح وجهها ورأسها بالماء خوفا من غيابها عن الوعي. تقول شقيقتها للجزيرة نت “أمين يعمل في المرفأ منذ سنوات كمدرّب على قيادة الشاحنات والرافعات”.
أمين أبّ لفتاة تبلغ 16 عامًا وطفل (11 عامًا) كان يداوم في المرفأ لحظة وقوع الانفجار. فور سماع عائلته بخبر الانفجار، سارعوا على الفور للاتصال به.
وتتابع عبير “كان خطه خارج التغطية، فانهارت زوجته وظنّت أن مكروهًا أصابه. بعد ساعة، نزلنا جميعا نبحث في مستشفيات بيروت عنه، دون أن نجده، وعرفنا لاحقًا أنه مفقود تحت ركام المرفأ. ومنذ يومين، بدأنا نأتي من ساعات الفجر حتى منتصف الليل للوقوف أمام بوابة المرفأ، بانتظار أي خبر عنه يأتي من فرق الإنقاذ”.
وعند محيط مرفأ بيروت الذي تضرب حوله عناصر الجيش طوقا أمنيا، يقف عدد من ذوي المفقودين، بعد أن سقط داخله عشرات القتلى من موظفين وعناصر جمارك وآخرين يعملون في محيطه أو من كانوا يمرون بسياراتهم هناك.
وعلى بُعد أمتار قليلة من وفاء وعبير، يمشي غالب حاطوم ذهابا وإيابا، ثمّ يدور غضبًا حول نفسه، وهو ينتظر خبرا عن ابن عمته وصديق عمره كما يصفه عماد زهر الدين.
ويقول للجزيرة نت “جئت مع زوجة عماد وشقيقته نفترش الأرض بانتظار خبرٍ عن مصيره تحت أنقاض المرفأ”. يبكي ويتابع متأثرا “لا أحد يعرف عماد في المرفأ إلا ويحبه”.
كان عماد (45 عاما) يعمل موظفًا في حراسة المرفأ على مدار 24 ساعة، ثم يأخذ يومين إجازة. يروي غالب اللحظات الأخيرة بالتواصل مع عماد قبل الانفجار الكبير “قبل وقوع الانفجار الثاني الكبير بلحظات، كان عماد في أول انفجار يركض باتجاه الحريق ويقوم بتصويره ويتحدث عبر الفيديو، ويقول صارخا: حريق حريق، ثم فجأة اختفى وانقطع التواصل معه نهائيًا لحظة وقوع ثاني انفجار”.
يتهم غالب السلطات بالتقصير وعدم الإسراع في البحث عن المفقودين تحت الركام. يتابع غاضبًا “نجلس هنا كالنواطير، ولا تتواصل معنا أي جهة رسمية لطمأنتنا ودعمنا، وننتظر أخذ معلوماتنا من الدفاع المدني فحسب الذي تشفق عناصره علينا، ولن نعود إلى بيوتنا قبل معرفة مصير مفقودينا”.مقابل غالب، يجلس إلياس طونيوس معلوف على الرصيف، يجهش بالبكاء وهو يحني رأسه الذي غزاه الشيّب. يفتح هاتفه، ويشير بإصبعه إلى صورة ابنه جورج (32 عامًا) ليسأل مستنكرا “ما حرام هيدا الشاب الحلو يضيع ونفقدوا؟!”. قال للجزيرة نت “يعمل ابني في مخابرات الأمن داخل المرفأ، منذ 12 عامًا، وكنا نحضر لزفافه نهاية العام الحالي، لم نجده في جميع مستشفيات بيروت، وبالأمس أجريت فحص الحمض النووي (DNA) لتسهيل عملية إيجاده، وقد فقدت الأمل من بقائه على قيد الحياة”.الفاجعة الكبيرة في انفجار مرفأ بيروت أصابت فرقة من فوج إطفاء بيروت، التابع لغرفة عمليّات شرطة العاصمة، إثر تدخل سيارة إطفاء وفرقة إسعاف من الفوج إلى المرفأ قبل وقوع ثاني انفجار بهدف إخماد الحريق.
كان على متن السيارة عشرة متطوّعين ما زالوا في عداد المفقودين، وقد عثر على جثة إحدى المتطوعات التي شيعت في بلدتها في البقاع، في وقت تستمر عملية البحث عن زملائها من دون إيجاد أيّ أثر لسيارتي الفوج.
في المقابل، أنشئت صفحات على تطبيقات إلكترونية، مثل صفحة “LOCATING VICTIMS” على تطبيق إنستغرام، ونُشرت صور لنحو 100 مفقود من جنسيات مختلفة، وقد أرفقت بأرقام هواتف عائلاتهم للتواصل معهم في حال معرفة أيّ خبر عنهم.
ولا يزال أكثر من 60 شخصاً مفقودين السبت بعد أربعة أيام من الانفجار الضخم الذي ضرب مرفأ بيروت وأودى بحياة أكثر من 150 شخصاً، وفق ما أكدت وزارة الصحة لوكالة الأنباء الفرنسية.
وتسبّب الانفجار بمقتل أكثر من 150 شخصاً بينهم 25 شخصاً مجهول الهوية، وفق المصدر ذاته. وتخطى عدد الجرحى 5 آلاف، 120 منهم في حالة حرجة.
نقلا عن الجزيرة